لا يصدر عن جاهل فضلا عن الواضع الحكيم والملتفت إلى أنّ الوضع مقدّمة الاستعمال ؛ إذ لا شكّ في لغويّة وضع لفظ لمعنى لم يستعمل فيه إلّا قليلا ، كما إذا قال : «اسامة حيوان ناطق» بصورة القضيّة الحمليّة بالحمل الأوّلي في جواب السؤال عن معنى اسامة ، ولذا قال قدسسره : التحقيق أنّه موضوع لصرف المعنى بلا لحاظ شيء معه أصلا كاسم الجنس ، والتعريف فيه لفظي ، كما هو الحال في التأنيث اللفظي.
ولكن كان للمحقّق الحائري قدسسره (١) هنا كلام في مقام الدفاع عن المشهور ، والجمع بين أن تكون قضيّة : «هذا اسامة» قضيّة صحيحة بلا عناية وتجريد ، وبين أن يكون علم الجنس موضوعا للطبيعة بما هي متعيّنة بالتعيّن الذهني.
وتوضيح كلامه : أنّ اللحاظ الدخيل في معناه إن كان لحاظا استقلاليّا يرد عليه ما أورده صاحب الكفاية قدسسره ، ولكنّه يمكن أن يكون لحاظا مرآتيّا ، مثل لحاظ الكلّي وتصوّره ، فكما أنّ تصوّر الكلّي ـ كالإنسان ـ لا يوجب صيرورته متشخّصا وجزئيّا بلحاظ مرآتيّته ، مع أنّ الوجود الذهني ـ كالوجود الخارجي ـ مساوق مع التشخّص والجزئيّة ، كذلك ملحوظيّة الذهن دخيلة في معناه ، فلا يكون معنى علم الجنس أمرا ذهنيّا غير قابل للحمل على الموجود الخارجي ، فإنّ لحاظه في الذهن آليّ بحيث صار مغفولا عنه.
ولكن هذا من عجائب كلامه ولا ينبغي صدوره عنه ، فإنّا نبحث في وضع علم الجنس ، ولا بدّ فيه من تصوّر اللفظ والمعنى ، ومعلوم أنّ تصوّرهما آليّ وهكذا تصوّر المتعلّق باللحاظ الذي يكون وصفا للمعنى أو جزء له ، وأمّا نفس هذا اللحاظ فلا محالة يكون استقلاليّا ؛ إذ لا يمكن تعلّق لحاظ آلي
__________________
(١) درر الفوائد ١ : ٢٣٢.