وجوابه : أنّ مثل هذا التعبير لا يصدر من الحكيم الملتفت ؛ إذ لا تترتّب على الإتيان بلفظة «كلّ» فائدة ، ولا تحتاج الطبيعة إليها ، ولا يصحّ اتّصاف الوجود خاصّة بالوصف المذكور.
ولكن يقتضي ظاهر عبارة المحقّق النائيني قدسسره أنّ نسبة المعدومين والموجودين في القضيّة الحقيقيّة على السواء ؛ إذ المعدومون ينزّلون بمنزلة الموجودين ، وهذا الفرض والتقدير يكون مجوّزا لحمل المحمول عليها نظير حمله على الموجودين ، فالموضوع في القضيّة الحقيقيّة عبارة عن الأفراد الموجودة ، سواء كانت موجودة بالحقيقة أم بالتنزيل.
والتحقيق : أنّ الاستعمالات العرفيّة لا تساعد على هذا التفسير ، فإنّ القضيّة الحقيقيّة ممّا يكون متداولا في الاستعمالات ، ولكن لا يلتفت أحد من المستعملين إلى أنّ لها أفرادا موجودة بالفعل وأفرادا موجودة بالتنزيل ، وما يساعده الوجدان ونظر أهل المعقول أنّه لا بدّ في القضيّة الحقيقيّة من وجود الموضوع ، وكلمة الكلّ في مثل : «كلّ نار حارّة» تدلّ على استيعاب الأفراد ، ومعلوم أنّ الاتّصاف بالفرديّة يتوقّف على وجود النار خارجا ، وإذا تحقّقت الفرديّة تكون متّحدة مع الحرارة.
إذا عرفت هذا فنرجع إلى أصل البحث ، وأنّ الأحكام الشرعيّة هل تختصّ بالموجودين والحاضرين وتشمل المعدومين من باب الاشتراك في الحكم ، أم لا؟ وحلّ المعضلة في الأدلّة الغير المشتملة على أداة الخطاب ، مثل : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)(١) يكون بصورة القضيّة الحقيقيّة ، ولا يتوهّم اختصاص الحكم فيها بالمستطيعين عند الخطاب ؛ لشموله لكلّ
__________________
(١) آل عمران : ٩٧.