بخلاف صاحب هداية المسترشدين (١) ، فإنّه يقول : بأنّ كلمة «شيء» نكرة واقعة في سياق النفي في القضيّة المنطوقيّة ، ولذا يفيد العموم ، وأمّا من جهة المفهوم فهي نكرة واقعة في سياق الإثبات ، فهي لا تفيد العموم ، فالمفهوم نقيض العموم ، ينطبق على موجبة كلّية وموجبة جزئيّة.
وقال الشيخ الأنصاري قدسسره لتبيين مدّعاه : إنّه لا خصوصيّة للفظ «الشيء» المأخوذ في الجزاء ، بل هو مرآة للعناوين النجسة ، وعنوان إجمالي قام مقامها ، فإن كان قول الإمام عليهالسلام مكانه «أنّ الماء إذا بلغ قدر كرّ لا ينجّسه الدم والمني والبول والغائط ...» ، يكون مفهومه قطعا «أنّ الماء إذا لم يبلغ قدر كرّ ينجّسه الدم والمني والبول ، ...» وهكذا في العام الاستغراقي.
ولقائل أن يقول : إنّ الأمر ليس بدائر بين الأمرين حتّى نحتاج إلى تأييد أحدهما لا محالة ، بل يتحقّق أمر ثالث ، وهو أنّ المفهوم عبارة عن الانتفاء عند الانتفاء ، بلا فرق بين كون جزاء القضيّة موجبة أم سالبة ، مثل : «إن جاءك زيد فلا تكرمه» ، ومفهومه أيضا انتفاء الجزاء ـ أي لا تكرمه ـ عند انتفاء الشرط ، ولا يكون المقصود في باب المفهوم إثبات النقيض ؛ إذ لا ربط بين المسألتين ، ومفاد المفهوم لا يكون أزيد من انتفاء الجزاء عند انتفاء الشرط ، فعلى هذا يكون مفهوم الماء إذا بلغ قدر كرّ لا ينجسه شيء ، أنّ مع انتفاء بلوغ الماء قدر كرّ ينتفي الجزاء ـ أي لا ينجسه شيء ـ وأمّا قيام ينجسه كلّ النجاسات مقامه أو بعضها فلا بدّ أن يستفاد من الخارج ، ولا يكون من شأن المفهوم تعيين أحدهما ، ولا يلزمنا الالتزام بكلام الشيخ ولا بكلام صاحب الحاشية معيّنا بعد الدقّة في معنى المفهوم ؛ إذ المفهوم ينطبق على كلاهما معا كما لا يخفى.
__________________
(١) انظر : هداية المسترشدين : ٢٩١.