غرض الأصولي ، والمناسب لهذا الغرض هو تثليث الأقسام ، لأنّ المؤمن الذاتي هو القطع ، فانّ المكلف إذا قطع بالإباحة يرى نفسه مأمونا في الفعل والترك ، وإذا قطع بالحرمة يكون مأمونا في فرض الترك ، وإذا قطع بالوجوب يكون مأمونا في فرض الفعل ، فالمؤمن الأول هو القطع ، فلا بدّ من البحث عنه في الأصول ولو استطرادا ، والمؤمن الثاني هو الظن ، وذلك لأنّ مراد الشيخ قدسسره من الظن على ما صرح به في أول بحث البراءة هو الكاشف المعتبر شرعا لا كل ظن ، ومن الواضح انه قطع تنزيلي وحجة ، وهذا هو المؤمن الثاني ، وإذا لم يحصل له هذا ولا ذاك وبقي شاكا فحيث لا معنى لحجية الشك وأن يكون طريقا فلا بدّ له من الرجوع إلى الأصول العملية الشرعية والعقلية ، وهي تكون مؤمنا له ، مثلا بعد ما ثبت نجاسة الماء المشكوك نجاسته المسبوق بها بحكم الاستصحاب يكون المكلف مأمونا في الإتيان بالتيمم بدل الوضوء عند انحصار الماء به ، وبالجملة في فرض الشك لا بدّ له من تحصيل القطع بالحكم الظاهري ، وهو الحكم الّذي أخذ في موضوعه الشك.
فما أفاده من انّ المراد من الحكم لا بدّ وأن يكون الأعم من الظاهري والواقعي غير سديد ، إذ القطع بالحكم الظاهري لا مورد له إلّا في فرض الشك في الحكم الواقعي والعلم بحكم الشاك فكيف يجعل في عرض الحكم الواقعي ، ومجرد وجود الجامع بينهما لا يوجب جعل التقسيم ثنائيا ، وإلّا فيمكن تصوير الجامع بين القسمين أيضا وهو حصول المؤمن ، فلا وجه للتقسيم أصلا.
والحاصل التقسيم إنما هو للإشارة إلى مباحث الكتاب ، فالأولى ما أفاده الشيخ لا ما ذكره في الكفاية.
وبما بينا ظهر الجواب عن تداخل الأقسام ، لأنّ المراد من الظن هو الكاشف المعتبر شرعا ، فلا يدخل في الشك ، ولا يدخل الشك فيه أصلا ، والظن غير المعتبر يكون داخلا في الشك فقط.