الأدلة بالدلالة الالتزامية العرفية تدل على تنزيل العلم بالمؤدى منزلة العلم بالواقع من دون احتياج إلى اللحاظ الاستقلالي ، فيترتب تحقق كلا جزئي الموضوع المأخوذ فيه القطع على تنزيل واحد من حيث المؤدى فقط. وأفاد في الكفاية بأن هذا مستلزم للدور (١) ، وهو محال.
ولا يخفى أنه لا يترتب أثر على هذا البحث بعد وضوح فساده أصلا ، ولكن الكبرى الكلية ربما يترتب عليها أثر في بعض الموارد ، فلا بأس بالتعرض لها إجمالا ، فنقول :
تارة : يكون الحكم مترتبا على نفس موضوعه من دون أن يكون مقيدا بقيد أصلا ، كما لو قال : لا تشرب الخمر ، فتحقق هذا الحكم خارجا لا يتوقف إلّا على وجود ذلك الموضوع من دون حاجة إلى مئونة زائدة ، ويمكن التمسك بإطلاقه مطلقا :
وأخرى : يكون الموضوع مقيدا كما في قوله : «إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شيء» (٢) فالموضوع يكون الماء المقيد بالكرية ، وفعلية ذلك لا يكون إلّا بتحقق الموضوع بما له من القيود وعليه ، فإذا قامت البينة مثلا على كرية مائع لا يكون ذلك مؤثرا إلّا بعد إحراز أن المائع ماء إما وجدانا وإما تعبدا ، ودليل حجية البينة الشامل بإطلاقه لهذه البينة القائمة على كرية هذا المائع لا يدل على التعبد بمائيته أيضا. نعم لو ورد دليل خاص على حجية خصوص هذه البينة يدل على ذلك بدلالة الاقتضاء وصونا لكلام الحكيم عن اللغوية ، وأما الدليل العام أو المطلق فلا يشمل مثل هذه البينة أصلا ، لأنّ التنزيل والتعبد لا بد وأن يكون بلحاظ الأثر ، ولا أثر لهذه البينة ، ولا يلزم اللغوية من عدم شموله لها كما هو واضح ، فلا يمكن التمسك بإطلاق دليل حجية البينة لمثل هذه البينة ثم إثبات الجزء الآخر في طول دلالته على ذلك بالدلالة
__________________
(١) كفاية الأصول : ٢ ـ ٢٤.
(٢) وسائل الشيعة : ١ ـ باب ٩ من أبواب الماء المطلق ، ح ١.