بالمتباينين ، فان الأصل الجاري في كل منهما معارض بالأصل الجاري في الآخر ، وهذا بخلاف المقام كما عرفت. واما ما ذكره من التأييد فقد تقدم الجواب عنه ، فلا حاجة إلى الإعادة.
الرابع : ما ذكره في الكفاية (١) وحاصله : انه بناء على ما هو الحق من تبعية الأحكام للملاكات الثابتة في متعلقاتها نعلم في المقام بثبوت مصلحة ملزمة قائمة بالأقل أو بالأكثر ، وبما ان المفروض لزوم استيفائها بحكم العقل ، فلا مناص من الاحتياط بالإتيان بالأكثر ، إذ المفروض انه لا يعلم بحصولها عند الاقتصار على الأقل.
وقد تعرض لهذا الوجه شيخنا الأنصاري قدسسره وأجاب عنه بجوابين (٢).
الأول : ان البحث عن جريان البراءة عند دوران الأمر بين الأقل والأكثر لا يبتني على مسك العدلية القائلين بتبعية الأحكام للملاكات.
الثاني : ان الغرض المعلوم في المقام لا يمكن تحصيل القطع به على كلا تقديري الإتيان بالأقل والأكثر. اما على تقدير الإتيان بالأقل فلاحتمال دخل الأكثر في حصول الغرض ، واما على تقدير الإتيان بالأكثر فلان الإتيان بالزائد لا يخلو من أن يكون بقصد الأمر الجزمي ، أو بقصد الأمر الاحتمالي. اما الأول فتشريع محرم ، لا يحتمل معه الوفاء بالغرض. واما الثاني فلا يقطع معه بحصول الغرض ، لاحتمال اعتبار قصد الوجه في تحققه وحصوله ، فإذا لا يجب علينا تحصيل اليقين بالغرض قطعا ، فلا يبقى في البين إلّا الفرار من العقاب ، وهو يحصل بالإتيان بالأقل ، للعلم بوجوبه ، واما الأكثر فاحتمال العقاب على تركه يدفع بالأصل ، هذا ملخص ما أفاده.
__________________
(١) كفاية الأصول : ٢ ـ ٢٣٢.
(٢) فرائد الأصول : ٢ ـ ٤٦١ (ط. جامعة المدرسين).