بوجه.
ثم إن كل فعل لا يشتاق إليه الفاعل في نفسه لا بد في الإتيان به من داع آخر. والغالب في الواجبات أن الداعي إلى الإتيان بها أحد أمرين ، الخوف من العقاب ، أو الطمع في الثواب ، وقد يكون الداعي إليه إدراك الفاعل كمال نفسه بإطاعة المولى ، حيث أنه أهل للعبادة مع قطع النّظر عن الثواب والعقاب ، ولا يتفق ذلك في غير المعصومين عليهمالسلام إلّا للأوحدي من الناس. واما المستحبات فبما أن تركها لا يستتبع العقاب فالغالب أن الداعي إلى الإتيان بها هو الثواب لا غير.
إذا عرفت ذلك نقول : أن الرواية الأولى وإن كانت ظاهرة في ترتب العمل على بلوغ الثواب عليه ، إلّا أنه لا ينافي استحباب ذات العمل ، إذ الفعل بعد ما لم يكن مما يشتاق إليه الإنسان بطبعه كان الداعي إلى الإتيان به ترتب الثواب عليه بتوسيط إضافته إلى المولى ، فبلوغ الثواب الّذي هو الموضوع للحكم بالاستحباب في الاخبار المتقدمة من اجزاء علة العمل في الخارج ، إذ لو لم يبلغ الثواب على العمل لم يكن محكوما بالاستحباب ، لعدم تحقق العنوان المأخوذ في أدلة الاستحباب ، وما لم يكن مستحبا لم يكن داع آخر إلى الإتيان به ، فبلوغ الثواب هو الّذي أوجب صدور العمل في الخارج ، ولا منافاة بين ذلك وبين عدم تقييد متعلق الطلب بما إذا أتى به رجاء لإدراك الواقع.
وبعبارة أخرى : المذكور في الرواية تفرع العمل وترتبه على نفس البلوغ ، وذلك لا يستلزم كون الإتيان به بعنوان الرجاء واحتمال إدراك الواقع. واما الروايتان المقيدتان للعمل بما إذا أتى به التماسا للثواب الموعود ، أو طلبا لقول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فلا تدلان إلّا على اعتبار قصد التقرب في ترتب الثواب على العمل ، لما عرفت من أن التماس الثواب لا يمكن إلّا بتوسيط الإضافة إلى المولى في غير الموارد