المقصود فيها تحقق ذات الواجب ليس إلّا ، فالاحتياط فيها نوع من الانقياد. وهكذا في العبادات فيما إذا كان أصل الرجحان محرزا وتردد أمر الفعل بين الوجوب والندب ، فان الاحتياط فيها ممكن بإتيان العمل بداعي امره الواقعي ، ولا إشكال فيه إلّا من حيث قصد الوجه ، وقد بين في محله ان اعتباره على تقدير تسليمه انما هو مختص بصورة الإمكان ، واما إذا لم يحرز أصل الرجحان ودار الأمر بين الوجوب واللغوية فلا يمكن إحراز محبوبية العمل على كل حال ، فانه ان أتى به بداعي الأمر كان تشريعا ، وان لم يأت به بذاك الداعي فلم يأت بالعبادة المقيدة بقصد الأمر ، ومن هنا ربما يشكل في جريان الاحتياط في العبادة في الفرض.
لا يقال : انه يستكشف ثبوت الأمر من حكم العقل بحسن الاحتياط بقاعدة الملازمة أو بنحو الإن.
لأنا نقول : حكم العقل بحسن الاحتياط لا يثبت موضوعه ، ولا إمكان تحققه في العبادات.
والتحقيق أن يقال : ان الأقوال في عبادية الواجب ثلاثة.
الأول : ما اختاره في الكفاية (١) من انه لا فرق بين العبادات والتوصليات من ناحية متعلق الأمر فان الأمر ، مطلقا متعلق بذات العمل ، وانما تفترق العبادة عن غيرها من ناحية الغرض ، ففي التوصليات يحصل الغرض المترتب على الواجب بمجرد الإتيان بالعمل من دون قصد الأمر ، بخلاف التعبديات فان الغرض منها لا يحصل إلّا بالإتيان بالعمل متقربا به إليه تعالى ، والعقل يستقل باعتباره تحصيلا لغرض المولى.
الثاني : ما أفاده المحقق النائيني رحمهالله (٢) من ان قصد الأمر أيضا مأمور به ، لكنه
__________________
(١) كفاية الأصول : ١ ـ ١٠٧.
(٢) أجود التقريرات : ١ ـ ١١٥ ـ ١١٧.