باب الطرق والأمارات ان كان نفس الحجية من دون أن تستتبع حكما تكليفيا فلا يلزم اجتماع الحكمين أصلا. واما بناء على أن تكون مستتبعة لذلك ، أو يكون المجعول فيها حقيقة هو الحكم التكليفي والحجية منتزعة عنه فاجتماع الحكمين حينئذ وان كان لازما إلّا أنه لا يلزم منه اجتماع المثلين ولا الضدين أصلا.
ثم أنه قدسسره عبر في وجه ذلك تعبيرات مختلفة ، فذكر تارة : ان الحكم الواقعي شأني والحكم الظاهري فعلي ، والتزم أخرى : بأن الحكم الواقعي إنشائي ومؤدى الطرق والأمارات أحكام فعلية ، وعبّر ثالثة : بأن الحكم الواقعي فعلي من بعض الجهات والحكم الظاهري فعلي من جميع الجهات ، والمضادة إنما تكون بين حكمين فعليين من تمام الجهات ، فإذا لم يكن أحد الحكمين فعليا كذلك فلا يلزم من اجتماعهما اجتماع المثلين إذا كانا متفقين ولا الضدين إذا كانا مختلفين ، انتهى.
والجواب عنه : انه ان أراد من الشأنية مجرد ثبوت مقتضى الحكم الواقعي من دون استتباع حكم لقيام الأمارة على الخلاف ، فلو قامت البينة مثلا على عدم خمرية ما هو خمر في الواقع تكون المفسدة الواقعية بحالها من دون وجود حكم على طبقها.
ففيه : ان لازمه أن لا يكون للجاهل حكم واقعي غير مؤدى الطرق والأمارة ، وهذا هو التصويب الأشعري الباطل.
وان أراد منها أن الحكم الواقعي ثابت للأشياء بعناوينها الأولية في طبعها على طبق مقتضياتها ، ولا مانع في جعل حكم كذلك ، ومن هنا ذكروا في باب الصلاة في غير المأكول ان المراد منه ما يحرم أكله في حد نفسه ، وهكذا المراد مما يحل أكله الحلية في حد ذاته وان حرم بالعارض ، فلا ينافيه طرو عنوان يوجب تبدله وهو قيام الأمارة على الخلاف ، كما يتبدل الحكم بسبب عروض الاضطرار والإكراه.
ففيه : ان هذا تصويب معتزلي ، وهو وان لم يكن في الفساد بمرتبة سابقه لكنه أيضا باطل بالإجماع والروايات.