في مجال العقيدة أبطال الفكر وسنامه ، وفي مجال التشريع أساطين الفقه وأعلامه ، ولهم الرئاسة التامّة في فهم الدين على مختلف الأصعدة.
فإذا كانت الشريعة جزءاً من الدين ففهمها واستخراجها من الكتاب والسنّة رهن أمور ، أهمها : العلم بأصول الفقه ، وهو العلم الذي يرشد إلى كيفيّة الاجتهاد والاستنباط ، ويذلّل للفقيه استخراج الحكم الشرعي من مصادره الشرعيّة.
إنّ كلّ علم يوم حدوثه ونشوئه لم يكن إلّا مسائل عديدة لا تتجاوز عدد الأصابع شغلت بال الباحث أو الباحثين ، ولكنّها أخذت تتكامل وتتشعّب عبر الزمان حتّى صارت علما متكامل الأركان ، له خصوصيّات كلّ علم ، أعني : تعريفه ، وموضوعه ، ومسائله.
وهذه خصيصة كلّ علم من العلوم الّتي تسير مع تكامل الإنسان.
وأمامك علم المنطق ؛ فقد نقل الشيخ الرئيس في آخر منطق الشفاء عن أرسطوطاليس أنّه قال : إنّا ما ورثنا عمّن تقدّمنا في الأقيسة إلّا ضوابط غير مفصّلة. وأمّا تفصيلها وإفراد كلّ قياس بشروطه وضروبه وتمييز المنتج عن العقيم إلى غير ذلك من الأحكام ، فهو أمر قد كددنا فيه أنفسنا وأسهرنا أعيننا حتّى استقام على هذا الأمر ، فإن وقع لأحد ممّن يأتي بعدنا فيه زيادة أو إصلاح فليصلحه ، أو خلل فليسدّه (١).
هذا هو نفس العلم ، وفي جانب كلّ علم ، بحث آخر ربّما يسمّى بتاريخ
__________________
(١) شرح المنظومة للحكيم السبزواري : ٥ ـ ٦. نقلا عن منطق الشفاء للشيخ الرئيس ابن سيناء.