العلم ، وهو غير العلم نفسه ، حيث يستعرض الباحث في تاريخ العلم الأسباب الّتي أدّت إلى نشوئه ، أو صارت سببا لتكامله خلال العصور ، والإلماع إلى العلماء الذين كان لهم دور في تطوّر العلم ، إلى غير ذلك من المباحث الّتي تناسب تاريخ العلم.
وهنا نفترض أنّ سفينة تجري على ضفاف البحر ، وتشقّ الأمواج العاتية في وسطه ، متقدّمة إلى الأمام ، فهناك راكب فيها ، كما أنّ هناك ناظر إليها من بعيد ، ولكلّ بالنسبة إلى السفينة رؤية خاصّة ، فالراكب إذا أراد وصفها فسوف يصف معدّاتها الداخلية وما فيها من غرف الملّاحين ، ومخازن الأطعمة والأشربة ، ومقاعد الركاب وغرفهم ، إلى غير ذلك ممّا يقع نظره عليه.
وأمّا الآخر فهو ينظر إليها بما أنّها مصنوع قام بصنعها كبار المهندسين ومهرة العمّال وفق تخطيط دقيق باستخدام أدوات مختلفة ، وموادّ متنوعة ، حتّى صارت جاهزة تقلّ الركّاب وتنقل البضائع من ميناء إلى ميناء.
فالنظرة الأولى نظرة فاحصة متعلّقة بما في داخل السفينة ، والنظرة الثانية نظرة فاحصة تتعلق بخارجها.
وعلى ضوء هذا المثال يمكن التفريق بين نفس العلم وتاريخه ، فالنظر إلى داخل العلم بما له من موضوعات ومسائل وغايات ، هي دراسة لنفس العلم.
كما أنّ النظر إليه من حيث نشوئه وتكامله بيد أساتذته عبر الزمان ، هي دراسة لتاريخ العلم وسيره من بداية نشوئه إلى الحد الّذي بلغه.
وعلى هذا ف «أصول الفقه» علم له تعريفه وموضوعه ومسائله وغاياته ، وقد أفاض فيه علماء الأصول في بحوثهم ودراساتهم وكتبهم ، ونحن هنا