أن يبحث في أصول الفقه عن عوارض «الحجّة في الفقه» ، وعندئذ يقع الكلام في العوارض الّتي تعرض على «الحجّة في الفقه» والأصولي يبحث عنها؟ وهذا ما يحتاج إلى بيان زائد ، وهو :
إنّ العارض على قسمين :
أ ـ عارض خارجيّ يخبر عن عروض شيء على المعروض خارجا ، كالبحث عن عوارض الأجسام الخارجيّة كما في الفيزياء ، أو الداخليّة كما في الكيمياء ، إلى غير ذلك من الأعراض.
ب ـ عارض تحليلي وعقلي ، وهذا نظير ما يبحث عنه الحكيم في الفلسفة عن تعيّنات الموجود بما هو موجود ، حيث إنّ الموضوع لهذا العلم هو الوجود المطلق العاري عن كلّ قيد ، فالحكيم يبحث عن تعيّناته وتشخّصاته ، فصار يقسّمه إلى واجب وممكن ، وعلّة ومعلول ، ومادّي ومجرّد ، وواحد وكثير.
وعلى ضوء هذا ، فالموضوع في علم أصول الفقه هو «الحجّة في الفقه» ، فإنّ الفقيه يعلم وجدانا بأنّ بينه وبين ربّه حججا تتضمّن بيان الشريعة والأحكام العمليّة. فيبحث عن تعيّنات هذه الحجج المعلومة بالإجمال ، وأنّها هل تتشخّص بخبر الواحد أو لا؟ وبالقياس وعدمه ، إلى غير ذلك.
فقولنا : خبر الواحد حجّة أو القياس حجّة ، يرجع واقعهما إلى تعيّن الحجّة الكليّة غير المتشخّصة في خبر الواحد والقياس وغيرهما ، حتّى أنّ البحث عن كون الأمر ظاهرا في الوجوب ، والنهي في الحرمة ، يرجع لبّ البحث فيه إلى وجود الحجّة على لزوم إتيان الأمر الفلاني ، أو وجود الحجّة على تركه. (١)
__________________
(١) رسائل ومقالات : ٤ / ٣٤٩ ـ ٣٥٠.