وما فيهم من يبلغه شيئا ويؤدي إليه شرعا ، لكن على النحو الذي أوضحناه.
وقد كان النبي صلىاللهعليهوآله يأمر دعاته في الأمصار ، بأن يبتدءوا بدعاء الناس الى التوحيد ، ثم النبوة ، ثم الشرائع. ولا خلاف بين العقلاء في أن قول هؤلاء الدعاء ليس بحجة في التوحيد ولا النبوة ، ولا بدعائهم يعلم ذلك ، وانما ينبهون على الأدلة ويهدون الى طرقها كمالا ، كانت (١) الشريعة على هذا خارجة.
وقد استقصينا هذا الجنس من الكلام في الجواب عن الفصل الثالث وأحكمناه وقلنا أيضا هناك إذا كانت أخبار الآحاد عند من أوجب العمل بها لا بدّ فيها من استناد الى دليل يوجب العلم يقتضي التعبد فيها بالعمل ، لان قول من يقول أن خبر الواحد نفسه يوجب العلم مردود مطروح.
فمن أين علم أهل البلاد البعيدة ان النبي صلىاللهعليهوآله قد تعبدهم وأوجب عليهم العمل بأخبار رسله وان كانوا آحادا ، ومعلوم أنه لا يجوز أن يعملوا ذلك من الرسل أنفسهم ، فلم يبق الا التواتر والنقل الموجب للعلم ما لا قلنا (٢) في الشرع كله بمثل ذلك.
فان قيل : لا بدّ من أن يكون أهل أطراف البلاد عالمين ، بأن الذي ورد إليهم أميرا أو حاكما من جهة النبي صلىاللهعليهوآله صادق في إضافة نفسه اليه عليهالسلام ، لانه ينفذ شرعا ويمضي أحكاما دينية ، فلا بد من أن يرجع له عن ذلك بعلم لا ظن ، فمن أين علموا ذلك؟ والظاهر أنهم يرجعون فيه الى أقوال الأمراء وأخبار العمال ، وهم آحاد وأخبار الآحاد عندكم لا توجب علما.
__________________
(١) ظ : وكانت.
(٢) ظ : ما قلنا.