لا يطعن على ما ذكرناه ، لان كل موضع يشار اليه من ذلك ، لم يخلص من شبهة أو سبب التباس ، أو فرق بين جملة وتفصيل ، ولا يخرج الإدراك مع كل ذلك من أن يكون طريقا الى العلم اليقين عند ارتفاع كل شبهة ولبس.
ألا ترى أن الخزان وأصحاب الودائع انما يتم لهم ابدال شيء بغير لا من الملابس (١) والآلات لأسباب معروفة :
منها : ان الإدراك في كثير من هذه المواضع انما يحصل عند العلم بالجملة دون التفصيل ، وليس يجب في كل عالم بالجملة أن يكون عالما بتفصيلها.
ومنها : أن كثيرا من العلوم الضرورية قد ينسى مع تطاول الدهر ، فلا يمتنع أن يخفى على صاحب الثوب مع طول العهد إبداله توبة ، لان تفاصيل صفات ثوبه قد أنساها مع تراخي المدة.
ومنها : أن الشيء قد تخفى صفاته على تفصيلها إذا أدرك من أدنى بعد ، أو قلة تأمل صاحبه له وتصفحه لأحواله وصفاته ، ولهذا نجد كثيرا ممن يبذل (٢) عليه ثوب بغيره يخفى عليه إذا عرضه عليه خازنه من بعيد وقربه منه عرفه ، وكذلك يلتبس عليه إذا لم يتصفحه ولم تحمله الاسترابة على التفقد والتأمل ، فمتى استراب وتأمل لم يخف عليه ، ومن هذا الذي يستحسن أن ينفي الثقة عن علوم الإدراك كلها ، لأجل ما لعله يتم في بعضها واحد الأمرين متميز من صاحبه.
فأما استشهاده على أن الخلق العظيم قد يجوز أن يخبروا بما ينكشف عن كذب ، وتخبر اليهود والنصارى عن قتل المسيح عليهالسلام وصلبه ، فمما لا يشتبه حتى يحتج به في هذا الموضع. وقد تبين في الكتب ما يزيل هذه الشبهة الضعيفة ، وجملته.
__________________
(١) ظ : بغيره من الملابس
(٢) ظ : يبدل