وبلغ أشده ، قال الله تعالى : (اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ) [الروم : ٥٤] على أن تسمية الضعيف لا تطلق إلا على من له قدرة دون قدرة من هو أقدر منه ، وكذلك لا يسمى الجماد والميت ضعيفا لما كانا غير قادرين ، (ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ) [الروم : ٥٤] وهذه الآية لا تعلق للخصم بها.
وأما ما ذكره من قوله تعالى : (وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) [النور : ١٩] فصدق الله العظيم ، وبلغ رسوله النبي الكريم إنا لا نعلم الغيب ، ولا علم لنا إلا بما علمنا ، كما قال تعالى : (الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ، عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ) [العلق : ٤ ، ٥] وكما قال تعالى : (خَلَقَ الْإِنْسانَ ، عَلَّمَهُ الْبَيانَ) [الرحمن : ٢ ، ٣] فإن كان السائل يدعي أنا لا نعلم شيئا على سبيل الجملة فهذا جهل بحال النفس لأنا نعلم منافعنا ومضارنا ومعالم ديننا ، فلولا ذلك لما صح التعبد ولزم التكليف ، إذ تكليف ما لا يعلم قبيح ، والله تعالى لا يفعل القبيح.
وأما قوله تعالى : (هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ) [فاطر : ٣] فلا خالق إلا الله يرزقنا من السماء والأرض ، ويوجد الأجسام والأعراض الضرورية ، فلا يخلق إلا الحكمة والصواب ، وأفعاله كلها حسنة في باب الحكمة وإن كان بعضها محبوبا وبعضها منفورا عنه كالخير والشر ، الخير محبوب ، والشر منفور عنه والكل فعله تعالى ، فأما ما عدا ذلك فخلق العباد وأكثره قبيح ، وقد قال تعالى : (وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً) [العنكبوت : ١٧] وقال تعالى : (وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ) [الشعراء : ١٤٩] ، وقال تعالى : (وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ) [الشعراء : ١٣٠] وقال : (فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللهِ) [البقرة : ٩١] إلى ما لا يحصى ولا يعد من إضافة الأفعال إلى العباد ، وفي قوله تعالى في قصة عيسىعليهالسلام : (وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ) [المائدة : ١١٠].