الحركة الرجعية
والتناسخ النزولي
والذي يبطل هذا
النوع الثاني من التناسخ ، استلزامه الحركة الرجعية للنفس من الأشد إلى الأنقص ،
ومن الأقوى إلى الأضعف بحسب الذات ، وهو أمر محال. وتوضيحه :
إنّ حقيقة التناسخ
النزولي تتحقق بتعلق روح الإنسان بعد مفارقة البدن بالموت ، بجنين إنسان أو حيوان
أو خلية نباتية ، والكل دونها في الكمال. فأصحاب هذا القول يتصورون أن النفوس
المتوسطة تنتقل بعد فناء أبدانها إلى أجنة الإنسان أو الحيوان ، وتعود إلى الدنيا
لمتابعة مسيرة الاستكمال ، والارتقاء إلى درجة النفوس الكاملة.
ولكنه خيال باطل ،
لأن تعلق تلك النفوس بأجنة الإنسان أو الحيوان لا يخلو من صورتين :
الأولى
: أن تتعلق النفس
بالجنين الإنساني أو الحيواني بما لها من الكمال المناسب لمقامه. وهذا غير ممكن
عقلا ، لأن النفس ما دامت في البدن تزداد في فعليتها شيئا فشيئا حتى تصير أقوى
وجودا وأشد تحصّلا. ومثل هذا لا يمكنه أن يتعلق بالموجود الأدنى منه ، الذي لا
يتحمل ذلك الكمال وتلك الفعليّة ، لعدم تحقق التعاضد والانسجام بينهما.
وبعبارة أخرى :
إنّ واقعية النفس التي عاشت مع البدن أربعين سنة مثلا ، واقعية تفتّح القوى
وبلوغها مقام الفعلية. وأما واقعية النفس التي تتعلق بالأجنة ، فهي فقدان كلّ
فعلية ، وانتسابها إلى جميع الكمالات بالقوة ، فحسب. فالقول بتعلق تلك الفعلية
بالجنين ، جمع بين النقيضين. لأنها ـ على الفرض ـ بما أنّها نفس إنسان مرّت عليه
أربعون سنة ، مستجمعة لجميع الكمالات بالفعل. وبما أنها تعلقت بالجنين ، مستجمعة
لها بالقوة فحسب. فتكون الكمالات في محل واحد وزمان واحد ، بالفعل وبالقوة معا ،
وهذا محال.
الثانية
: أن تتعلق تلك
النفوس بالأجنّة ، لكن بعد تنزّلها عن فعليّاتها ، وانسلاخها عن كمالاتها. وهذا
النحو من التعلّق ، وإن كان يوجد بين البدن