وجملة القول ، إنّ اختلافهم في شرائط الإمام وطرق تنصيبه ، جعل الخلافة وبالا على المسلمين ، حتى أخذت لنفسها شكلا يختلف كلّ الاختلاف عن الشكل الذي ينبغي أن تكون عليه. فقد أصبحت الخلافة الإسلامية ، إمبراطورية ، وملكا عضوضا ، يتناقلها رجال العيث والفساد ، من يد فاسق ، إلى آخر فاجر غارق في الهوى ، إلى ثالث سفّاك متعصّب. وقد أعانهم في تسنم ذروة تلك العروش ، مرتزقة من رجال متظاهرين باسم الدين ، فبرروا أفعالهم ، ووجّهوا أعمالهم توجيها ملائما للظروف السائدة ، وصحّحوا اتجاهاتهم السياسية الخاصة ، فخلقوا في ذلك أحاديث وسنن مفتعلة على صاحب الرسالة ، واصطنعوا لهذا وذاك فضائل ، لتدعيم مراكزهم السياسية ، ويكفيك النموذج التالي ، لتقف على حقيقة تلك الأحاديث المفتراة.
رووا عن رسول الله (صلىاللهعليهوآله) أنّه قال : «يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي ، ولا يستنّون بسنّتي وسيقوم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس. قال الراوي : قلت : كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك؟ قال : تسمع وتطيع للأمير ، وإن ضرب ظهرك ، وأخذ مالك ، فاسمع وأطع» (١).
* * *
__________________
(١) صحيح مسلم ، ج ٦ ، باب الأمر بلزوم الجماعة ، وباب حكم من فرّق أمر المسلمين ، ص ٢٠ ـ ٢٤ ، وفي البابين نظائر كثيرة لهذا الحديث.