قلنا : إنّا نعلم بالضرورة أنّ الكائنية أمر زائد على ذات الجسم ثبوتي ، والأمور الضرورية لا تبطل بالشّبه ، فانّ النظريات كسبية فإمّا أن يكتسب كلّ علم من علم كسبي فيتسلسل أو يدور ، أو ينتهي إلى علم غير مكتسب وهو قول بإثبات علوم غير كسبية ، والنظرية متفرعة عليها ، والفرع لا يقدح في الأصل ، وإلّا لقدح في نفسه ، ولا وجه أبلغ في الفساد من كون الشيء قادحا (١). ولا شكّ أنّ أظهر العلوم العلم بكون المتحركية والساكنية أمور متغايرة في حقائقها لحقيقة الجسم ، فما ذكرتموه من الشبه يجري مجرى شبه السوفسطائية في عدم استحقاقها للجواب.
سلّمنا أنّه كسبي ، لكنّا نستدل عليه بتبدل الساكنية بالمتحركية وبالعكس مع بقاء الذات.
«ومنع بقاء الذات في الحالتين» ضروري البطلان ، فان زيدا الذي شاهدته بالأمس هو الذي شاهدته الآن بالضرورة من غير تبدل.
لا يقال : المسلمون اتّفقوا على أنّ الله تعالى قادر على أن يخلق شخصا مثل زيد في شكله وصورته من جميع الوجوه ، ومع التجويز كيف يدعي الضرورة بانّه المشاهد بالأمس؟
لأنّا نقول : هذا الشكّ لا يقدح في علمي بانّي الذي كنت موجودا بالأمس ، فاندفع الإشكال ، وهو مبني على نفي النفس الناطقة.
قوله : «تبدل الساكنية بالمتحركية لا يدل على وجود واحد منهما ، كتبدل الامتناع بالصحّة». (٢)
__________________
(١) في نفسه.
(٢) أي كما أن تبدل الامتناع بالصحة لا يدل على وجود واحد منهما.