وإذا خرجت هذه الأمور الثلاثة عن اقتضاء الاختلاف لم يبق لاختلاف الحركات بالماهية إلّا اختلاف ما منه وما إليه وما فيه. فإن اتّحدت الثلاثة كانت الحركة واحدة بالنوع. وإذا لم يوجد واحد منها اختلفت الحركات في الماهية ، فانّه إذا اتحد ما منه وما إليه واختلف ما هي فيه اختلفت ماهية الحركة.
ففي الكيف مثل الانتقال من البياض إلى التسود بطريق التصفر ثمّ التحمر ثمّ التسود تارة ، وبطريق الفستقية إلى الخضرة إلى النيلية إلى السواد أخرى ، فإنّ المبدأ والمنتهى في الحركتين واحد وما فيه الحركة مختلفة فاختلفت الحركة.
وفي الأين مثل أن ينتقل جسم من مبدأ مفروض إلى منتهى تارة على الاستقامة وتارة على الاستدارة مع أنّ المخالفة بالاستقامة والاستدارة مخالفة نوعية لا عرضية ، وكذا الحركة عليهما ، وكذا إذا اتحد ما فيه الحركة واختلف ما منه وما إليه فانّ الحركة تختلف أيضا ، فانّ الانتقال من السواد إلى البياض مخالف للانتقال من البياض إلى السواد. وإن اتحد الطريق وسلك كلّ واحد منهما فيه بالعكس من صاحبه ، وذلك لاختلاف ما منه وما إليه.
وأمّا في الأين فكالصاعد والهابط.
واعلم أنّ الصعود حركة مستقيمة من مبدأ إلى منتهى ويتم بذلك تحقيقه. (١) وكذا النزول ، لكن عرض لأحد المبدأين أن كان فوق والآخر أن كان تحت فعرض بسبب ذلك أنّ للحركة أن صار صعودا وهبوطا ، وهذا لا يوجب الاختلاف في الماهية. لكنّهما اختلفا بالمبدئية والمنتهائية وهما متقابلان تقابل الضدية على ما عرفت وهذا القدر يكفي في وقوع الاختلاف بين الحركتين.
__________________
(١) في المباحث : «تحقّقه» ، وفي الشفاء : «كونه حركة».