فنقول : ليس علّة تشخص تلك النار طبيعة ذلك المحل ، لأنّ ذلك المحلّ كما يقبلها يقبل مثلها ضرورة وجوب اشتراك المثلين في الصفات الواجبة. فإذن العلّة في تشخّص تلك النارية أعراض مخصوصة موجودة في المادة. ولا شكّ في أنّ الأعراض توابع للصور فالأعراض المشخصة لهذه النارية إن كانت معلولة لتلك اللوازم (١) لزم الدور. وإن كانت معلولة لصورة أخرى موجودة في تلك النارية فقد كانت قبل هذه الصورة صورة أخرى ، فهذه الصورة حادثة. ثمّ الصورة السابقة إن كانت مساوية لهذه الصورة في النوع امتنع زوالها وقبول هذه ، لأنّ الصورة إنّما تتجدد إذا قويت ملائمة المادة لها ، ولو كانت السابقة مماثلة للمتجدّدة لكان ما يجعل المادة ملائمة للمتجدّدة يجعلها لا محالة ملائمة لتلك السابقة فلا يكون مبطلا لها وحينئذ يمتنع تجدّد الصورة المتجدّدة ، هذا خلف. فأمّا إذا كانت السابقة مخالفة للمتجدّدة كان ما يجعل المادة ملائمة للمتجدّدة يجعلها منافرة للسابقة فلا جرم تنعدم تلك السابقة حتى توجد المتجدّدة ، وظاهر أنّ كلّ صورة عنصرية نوعها في شخصها (٢) ، وقد كانت مادتها موصوفة قبلها بصورة أخرى تخالفها ، وذلك يدلّ على الكون والفساد.
ويدلّ على ذلك أنّ القوّة الجسمانية لا تقوى على البقاء الغير المتناهي فتكون حادثة لا محالة. (٣)
النوع الثاني من الأدلة : الاعتبارات الحسية
وتقريره أن نقول : إنّه سيظهر لك أنّ العناصر أربعة. فوجوه الكون والفساد
__________________
(١) في المباحث : «الصورة».
(٢) في المباحث : «لا ينحصر نوعها في شخصها».
(٣) انتهى كلام الرازي في المباحث المشرقية ١ : ٧٠٢ ـ ٧٠٣.