هذا المقام يتعلّق بأمرين :
النظر الأوّل : في إثبات الكون والفساد. يدلّ على ذلك نوعان :
النوع الأوّل : الأدلّة العقلية ، وقد ذكر الشيخ منها وجهين : (١)
الوجه الأوّل : أنّا سنبين أنّ ما يصحّ عليه الكون والفساد (٢) تصحّ عليه الحركة المستقيمة ، وتنعكس (٣) إلى قولنا : بعض ما تصحّ عليه الحركة المستقيمة ، يصحّ عليه الكون والفساد. (٤)
الوجه الثاني : اختصاص جزء معين بجزء معيّن من حيّزه ليس لطبيعته ، لأنّا نشاهد انتقال الأجزاء المتساوية ، وحصولها بسبب ناقل نقله إلى ذلك الموضع ، وهو باطل لأنّ القسري بعد الطبيعي فلو قدّرنا عدم الناقل فلا بدّ من سبب لحصولها في الأحياز ، فبقي أنّ العمدة فيه أنّ الجزء المعين كان في ابتداء تكونه في حيز يختص حدوثه عن العلل واستمر بعد ذلك فيه وهذا إنّما يعقل إذا كانت صورها حادثة.
وهو ضعيف ، لجواز الاستناد إلى الفاعل المختار.
واستدل أفضل المتأخرين : بأنّ النار مثلا جسم ولا شكّ أنّ جسميتها مغايرة لناريتها فتشخص تلك النارية ليس لماهيتها ولوازم ماهيتها وإلّا كان نوعها في شخص واحد ، وهو محال. فإذن ذلك التشخص بسبب العوارض وذلك لا محالة يكون بسبب المادة كما عرفت.
__________________
(١) راجع الفصل الأوّل من الفن الثالث من طبيعيات الشفاء.
(٢) أي تبدل صورة بصورة أخرى.
(٣) الموجبة الكلية بالعكس المستوي.
(٤) أنظر الجواب على هذا الوجه في شرح المواقف ٦ : ٢١٥.