عَظِيمٌ) عطف على قوله تعالى (عَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ) أو على قوله (خَتَمَ اللهُ).
(وَمِنَ النَّاسِ) لمّا انساق ذكر الكتاب الّذى هو أصل كلّ الخيرات وعنوان كلّ غائب وغائب كلّ عنوان ومصدر الكلّ وكلّ المصادر والصّوادر اعنى كتاب علىّ (ع) الى ذكر المؤمنين وذكر قسيمهم اعنى المسجّل عليهم بالكفر أراد أن يذكر المذبذب بينهما أعنى المنافق المظهر للايمان باللّسان المضمر للكفر في القلب تتميما للقسمة وتنبيها للامّة على حال هذه الفرقة تحذيرا لهم عن مثل أحوالهم بل نقول كان المقصود من سوق تبجيل الكتاب الى ذكر المؤمنين واستطرادهم بالكافرين ذكر هؤلاء المنافقين الّذين نافقوا بولاية علىّ (ع) خصوصا على ما هو المقصود الاتمّ من الكتاب والايمان والكفر والنّفاق اعنى كتاب الولاية والايمان والكفر والنّفاق به فانّه أقبح أقسام الكفر في نفسه واضرّها على المؤمنين واشدّها منعا للطّالبين ولذا بسط في ذمّهم وبالغ في ذكر قبائحهم وذكر مثل حالهم في آخر ذمّهم قرينة دالّة على انّ المراد المنافقون بالولاية لانّ المنافقين بالرّسالة ليست حالهم شبيهة بحال المستوقد المضيء فانّ المنافق بالرّسالة لا يستضيء بشيء من الأعمال لعدم اعتقاده بالرّسالة وعدم القبول من الرّسول بخلاف المنافق بالولاية فانّه بقبوله للرّسالة يستضيء بنور الرّسالة والأعمال المأخوذة من الرّسول (ص) لكن لمّا لم يكن اعماله المأخوذة وقبوله الرّسالة متّصلة بنور الولاية كان نوره منقطعا ، وما يستفاد من تفسير الامام انّ الآية كانت اشارة الى ما سيقع من النّفاق بعلىّ (ع) يوم الغدير ومبايعة الامّة والمنافقين معه وتواطؤهم على خلافه بعد البيعة وبعد التّأكيد بالعهود والمواثيق عليهم يدلّ على انّ المراد النّفاق بالولاية. والنّاس اسم جمع من النّسيان مقلوب العين لاما ، أو محذوف اللّام لغلبة النّسيان عليه حيث لم يتذكّر ما ألفه في العوالم السّابقة ، أو من النسيء بمعنى التّأخير مقلوبا ؛ أو محذوف اللّام ، أو من الانس بمعنى الالفة ضدّ التّوحّش محذوف الفاء أو مقلوبه ، أو هو مأخوذ من الإيناس بمعنى الأبصار مع الاطمينان بالمبصر كما قال : انّى انست نارا اى رأيت نارا واطمأننت بها ؛ والأظهر أنّ النّاس مأخوذ من النّسيان أو النسيء لاستعماله في الأغلب في مقام مناسب لهما وانّ الإنسان من الانس لذلك ، وقيل انّ اللّام في النّاس عوض عن المحذوف وهو بعيد والجارّ والمجرور مبتدء امّا لقيامه مقام الموصوف المحذوف المقدّر أو لنيابته عنه لقوّة معنى البعضيّة فيه حتّى قيل : انّه بنفسه مبتدء من دون قيام مقام الغير وتقدير ونيابة والمعنى بعض النّاس. أو خبر مقدّم ، (مَنْ يَقُولُ) بألسنتهم من دون موافقة قلوبهم (آمَنَّا بِاللهِ) أو بعلىّ (ع) الّذى هو مظهر الآلهة على ما ورد من التّفسير بالايمان بالولاية (وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ) يعنى بالمبدء والمعاد كأنّهم أشاروا بتكرار الجارّ الى انّ ايمانهم بكلّ مأخوذ عن برهان لا انّ الايمان باليوم الآخر مأخوذ من الايمان بالله من دون تحقيق وبرهان عليه.
واعلم انّ العوالم باعتبار كلّيّاتها سبعة ومراتب كلّ عالم عشرة ودرجات كلّ مرتبة عشرة الى مأة الى ما شاء الله وبسبب هذه الاعتبارات اختلف الاخبار في تحديد العوالم وبطون الآيات بالسّبعة والسّبعين والسّبعمائة الى سبعين ألفا الى ما شاء الله ، وإذا لوحظ المراتب من المبدء الاوّل الى آخر العوالم كان كلّ مرتبة بالنّسبة الى سابقتها ليلة لقوّة الظّلمة الحاصلة من تنزّلات الوجود وكثرة التّعيّنات ، وإذا لوحظت من المنتهى الى المبدء كان كلّ مرتبة بالنّسبة الى سابقتها يوما لقوّة النّور وضعف الظّلمة بالنّسبة الى سابقتها ، ولهذا ذكر اليوم في الآيات والاخبار عند ذكر العروج والصّعود والانتهاء والخروج ، وذكر اللّيلة عند ذكر النّزول ، والمراد باليوم الآخر امّا يوم حشر الخلايق للحساب ، أو يوم قيام كلّ صنف في مقامهم الّذى لا خروج لهم عنه.