فلا ينتشر في النّاس ، والكافر مشكور وذلك أنّ معروفه للنّاس ينتشر في النّاس ولا يصعد الى السّماء وتعدية يكفروه الى المفعولين امّا لتضمين معنى الحرمان أو لتشبيه المنصوب الثّانى بالمفعول مثل زيد حسن الوجه بنصب الوجه وقرء تفعلوا ويكفروه بالخطاب والغيبة (وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ) وضع الظّاهر موضع المضمر للاشعار بمدح آخر لهم وللاشارة الى انّ فعل الخير لا يكون الّا عن التّقوى وهو بشارة للمؤمنين بانّ أفعالهم الحسنة لا تعزب عن علم الله تعالى فيجازى لا محالة عليها (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) مستأنف جواب للّسؤال عن حال الصّنف الآخر من أهل الكتاب كأنّه قيل : قد عرفنا حال الامّة القائمة المؤمنة من أهل الكتاب فما حال الامّة الكافرة منهم؟! وانّما اخرج الكلام بصورة الجواب للّسؤال المقدّر مع انّ حقّه ان يقول : ومنهم أمّة معوّجة يكفرون بالله حتّى يتمّ التعديل مع قوله (مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ) اكتفاء ببيان حالهم عن التّصريح بالتقسيم وتعميما للحكم لجميع الكفّار مع الإيجاز (لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ) اى لن تجاوز عنهم بالاغناء بتضمين مثل معنى المجاوزة (أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ) اقتصر ممّا يغترّ به الإنسان فيكفر بالله عليهما لانّهما اعزّ الأشياء عليه ولانّ اعتماده واستظهاره بهما أقوى واشدّ من غيرهما (مِنَ اللهِ) اى من سخط الله (شَيْئاً) من الله حال مقدّم ان كان شيئا مفعولا به ، أو قائم مقام الموصوف الّذى هو مفعول به ان كان شيئا مفعولا مطلقا ولفظة من للتبعيض (وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) بمناسبة مقام السّخط بسط في الكلام وغلّظ واكّد بمؤكّدات عديدة (مَثَلُ ما يُنْفِقُونَ) اى الكفرة جواب لسؤال مقدّر والمعنى مثل القوى والمدارك والاعمار والأموال الّتى ينفقها هؤلاء الكفرة لان تكون ذخيرة وزرعا لآخرتهم في إنفاقها في غير مواقعها وفي جعلها في محلّ لا يصل نفعها إليهم ، وفي هلاكها وفناءها قبل بلوغها مبلغ الانتفاع (فِي) زمان (هذِهِ الْحَياةِ الدُّنْيا) أو في حفظها أو ابقائها (مَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ) برد شديد (أَصابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) بجعل الزّرع في موضع يهلك ويفنى قبل بلوغه ولا يصل نفعه إليهم ، أو بزرعه في غير وقته حتّى يدركه البرد فيهلكه والمعنى كمثل حرث اصابته ريح وقد مضى مكررّا انّ التشبيه التمثيلىّ لا يلزم التّرتيب بين أجزاء المشبّه والمشبّه به ولا دخول اداة التّشبيه على المشبّه به أو المعنى مثل ما ينفقون من أموالهم وأعمارهم وقواهم في زمان الحيوة الدّنيا أو في حفظها في إهلاك الحرث الاخروىّ التّكوينىّ الّذى زرع الله بذره في وجودهم كمثل ريح فيها برد شديد أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم بالمعاصي عقوبة لهم ، أو بوضع الحرث في غير محلّه أو في غير وقته (فَأَهْلَكَتْهُ) وأفنته (وَما ظَلَمَهُمُ اللهُ) اى ما ظلم الكفّار في فناء منفقاتهم بلا منفعة لهم (وَلكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) بانفاقهم في محلّ أو على وجه أو بنيّة لا يصل منفعته إليهم ، أو المعنى وما ظلم الله قوما أهلك الرّيح حرثهم ولكنّهم ظلموا أنفسهم بزرع الحرث في غير محلّه أو في غير وقته أو مع إسخاط الله بمعصيتهم لا مع ارضائه بطاعتهم ، وكان حقّ العبارة ان يقول : وما الله ظلمهم ولكنّهم يظلمون لانّه إذا أريد نفى الفعل عن فاعل مع إثباته لغيره ينبغي ان يقع الفاعل المنفىّ عنه عقيب اداة النّفى والفاعل مثبت له عقيب اداة الاستدراك لكنّه أراد ان يقول انّه لا ظلم في ابطال الإنفاق ولا في إهلاك هذا الحرث فأدخل النّفى على الفعل دون الفاعل افادة لهذا المعنى ، واثبت ظلما مالهم باعتبار منع أنفسهم وقواهم عن حقوقها ، وحصر وقوع الظّلم على أنفسهم اشعارا بهذا المعنى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) بالايمان العامّ والبيعة العامّة النبويّة وقبول الدّعوة الظّاهرة (لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً) البطانة بكسر الباء خاصّة الرّجل من الرّجال أو من يتّخذه معتمدا عليه من