جزائيّة لشرط مقدّر يعنى ان أردت ذلك فخذ (أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ) جمع الطّائر أو اسم جمع له كصحب وصاحب (فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ) حتّى لا يلتبس عليك قرئ بضمّ الصّاد وكسرها من صار يصور وصار يصير بمعنى أمال وبضمّ الصّاد وكسرها وشدّ الرّاء من صرّ مشدّد الرّاء من باب نصر وضرب ، وبفتح الصّاد وشدّ الرّاء وكسرها من التصرية والجميع بمعنى الجمع فاقتلهنّ وقطّعهنّ ومزّجهنّ وجزئهنّ (ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ) من الجبال العشرة ، وقيل : كانت الجبال اربعة وقيل كانت سبعة (مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً) إتيان سعى أو هو مفعول مطلق من غير لفظ الفعل أو هو حال بمعنى ساعيات.
اعلم انّه قد اختلف الاخبار في سبب سؤال إبراهيم (ع) ذلك ؛ ففي بعضها انّه لمّا رأى ملكوت السّماوات والأرض رأى جيفة على ساحل البحر نصفها في البحر ونصفها في البرّ تأكلها سباع البحر وسباع البرّ ثمّ يحمل بعض السّباع على بعض فيأكل بعضها بعضا فتعجّب إبراهيم (ع) وسأل ذلك ، وفي بعض انّ الله أوحى الى إبراهيم (ع) انّى متّخذ من عبادي خليلا ان سألنى احياء الموتى أجبته فوقع في نفسه أنّه ذلك الخليل فسأل ذلك ليطمئنّ انّه ذلك الخليل ، وقد مضى وجه آخر انّ نمرود قال : هل رأيت احياء الميّت بردّ الرّوح الى بدنه؟ ـ فسأل ذلك من الله ، واختلف الاخبار في تعيين الطّيور ؛ ففي بعضها أخذ إبراهيم نسرا وبطّا وطاووسا وديكا ، وفي بعض انّه أخذ الهدهد والصّرد والطّاووس والغراب ، وفي بعضها الدّيك والحمامة والطّاووس والغراب ، وفي بعضها : الدّيك والطّاووس والوزّة والنّعامة ، وقد اختلف الاخبار أيضا في كيفيّة مزجها وتجزيتها ؛ وفي بعض الاخبار : هذا تفسيره في الظّاهر وتفسيره في الباطن : خذ اربعة ممّن يحتمل الكلام فاستودعهنّ علمك ثمّ ابعثهنّ في أطراف الأرضين حججا على النّاس ، وإذا أردت ان يأتوك دعوتهم بالاسم الأكبر يأتونك سعيا بإذن الله ، واختلاف الاخبار في تعيين الطّيور وكيفيّة قتلها ومزجها وتجزيتها ودعوتها وإحيائها ، واختلافها في عدد الجبال واشارتها الى بعض وجوه التّأويل يدلّ على انّ ليس المراد من هذه الحكاية ظاهر القصّة فقط بل كان ظاهرها مرادا للتّنبيه على باطنها وانّ المقصود من الطّيور الاربعة الشّيطنة والشّهوة ؛ والغضب والحرص المتولّد منهما ، أو طول الأمل المتولّد منها فانّهما متلازمان فانّها أمّهات جنود النّفس والجهل ، والمراد بقتلها إماتتها عن الحيوة النّفسانيّة وبإحيائها إحيائها بالحيوة العقلانيّة حتّى تصير من جنود العقل فانّ الطّاووس مظهر للشيطنة المقتضية للانانيّة الباعثة للتجلّى كلّ آن بلون على نفسه وعلى غيره والدّاعية لتعجيب نفسه وغيره ، والدّيك للغضب ، والحمام للشّهوة ، والبطّ للحرص ، ولمّا كانت هذه الصّفات تظهر من طيور أخر أيضا اختلف الاخبار في تعيين الطّيور وقد ذكر في تعيين الصّفات وتأويل الطّيور نظما ونثرا وجوه غير هذا ، والتّعبير بالطّيور مع انّ في الدّوابّ ما هو مظاهر الصّفات بل هي اشدّ ظهورا في بعض الدّوابّ من الطّيور لانّ النّفس وجنودها لكونها كشجرة خبيثة اجتثّت من فوق الأرض مالها من قرار لا ثبات لها على شيء بل هي كالطّير كلّ آن على غصن فبالشّيطنة تعرض نفسها على نفسها وعلى غيرها كلّ ساعة بلون وصفة ، وبالشّهوة تتمنّى كلّ آن مشتهى ، وبالغضب يعضّ كلّ حين على سليم ، وبالحرص والأمل يتبع كلّ آن مأمولا ، وبعد القتل يتبدّل الأوصاف وتصير من جنود العقل منقادة مطيعة كلّما دعاها العقل يسر عن في الاجابة.
(وَاعْلَمْ) من قبيل عطف المسبّب على السّبب كأنّه قال حتّى تعلم بعد احياء الموتى (أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ) لا يمنعه شيء من مراده (حَكِيمٌ) لا يفعل شيئا من الاماتة والأحياء الّا لحكم ومصالح ولا يعطى شيئا من القوى