فكلّما أعان الإنسان بحسب التّكوين أو بحسب التّكليف على السّير الى مقامه الّذى هو الولاية المطلقة الّتى لا حدّ لها كان نعمة له ، وإذا وصل الإنسان الى ذلك المقام تمّ النّعمة عليه بل صار بنفسه نعمة تامّة فانّ الولاية هي النّعمة لا غير الولاية ، وما كان متّصلا بالولاية بان كان ناشئا منها أو راجعا إليها كان نعمة بسبب اتّصاله بها ، وما لم يكن كذلك لم يكن نعمة كائنا ما كان ، والمراد بالنّعمة هاهنا امّا نعمة الآيات أو مطلق ما يعين الإنسان في انسانيّته فيكون قوله تعالى : (وَما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتابِ وَالْحِكْمَةِ) من قبيل ذكر الخاصّ بعد العامّ أو خصوص الأنبياء والأولياء فيكون قوله : (وَما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتابِ وَالْحِكْمَةِ) من قبيل عطف المغاير والمراد بالكتاب النّبوّة والرّسالة وأحكامهما والكتاب التّدوينىّ من آثارهما وبالحكمة الولاية وآثارها (يَعِظُكُمْ بِهِ) مستأنف جواب لسؤال عن حال ما انزل أو عن علّة النّزول أو حال عن ما أو عن فاعل انزل (وَاتَّقُوا اللهَ) اى سخطه في الغفلة عن حيثيّة النّعمة وفي عدم الاتّعاظ (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) فيعلم استهزاءكم وغفلتكم واتّعاظكم وعدمها وعد ووعيد ، ولمّا كان النّفوس ضنينة بتخلية النّساء بعد الطّلاق وانقضاء العدّة وبتزويجهنّ قدّم النّهى عن الاستهزاء بالاحكام وعدم الاعتداد بها والأمر بتذكّر النّعم وأحكام الشّريعه وحكمها ومصالحها حتّى يكون معينا على امتثال الأوامر والنّواهى ثمّ عقّبه بالأمر بالتّقوى والوعد والإيعاد بذكر احاطة علمه بالجليل والحقير ثمّ قال : (وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَ) اى وصلن الى آخر العدّة من غير انقضاء لها أو بلغن اخرها بحيث انقضت العدّة (فَلا تَعْضُلُوهُنَ) اى لا تمنعوهنّ ايّها الأزواج (أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَ) الّذين خطبوهنّ وكانوا غيركم أو لا تعضلوا ايّها الأولياء على ان يكون الخطاب الثّانى غير الاوّل ، أو على ان يكون الخطاب الاوّل للأولياء أيضا باعتبار انّهم كانوا معينين للطّلاق ان ينكحن أزواجهنّ الّذين كانوا أزواجهم قبل الطّلاق (إِذا تَراضَوْا) اى الخطّاب والنّساء أو الأزواج السّابقة والنّساء (بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذلِكَ) المذكور من الأحكام والآيات السّابقة المذكورة جملة أو من منع عضل النّساء (يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) فانّ من لم يذعن بالله حالا ولا باليوم الآخر كانت الآيات في الوعد والوعيد اسمارا له (ذلِكُمْ) أتى بأداة خطاب الجمع هاهنا بخلاف سابقه لكون الحكم متوجّها هاهنا الى جميع المخاطبين بخلاف السّابق يعنى انّ تخلية النّساء وعدم منعهنّ عن الأزواج كان خاصّا بالأزواج أو الأولياء أو كان الخطاب خاصّا بمحمّد (ص) (أَزْكى لَكُمْ) من الزّكاة بمعنى النّمو والتنعمّ أو الصّلاح (وَأَطْهَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ) ما ينفعكم ممّا يضرّكم ولذا يأمركم بما تكرهونه وينهاكم عمّا تحبّونه لنفع ذلك ومضرّة هذا (وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) ولذا تحبّون الضارّ وتكرهون النّافع (وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَ) بعد ذكر النّكاح وذكر انّ النّساء حرث للولد وانجراره الى ذكر الطّلاق ذكر تعالى الأولاد وكيفيّة إرضاع الوالدات والجملة خبر في معنى الأمر أو اخبار عن مدّة الإرضاع واشعار بعدم وجوب الإرضاع عليهنّ فكأنّه تعالى قال : والوالدات ان أردن ان يرضعن أولادهنّ يرضعنهم (حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ) التّأكيد به لانّ كثيرا ما يتسامح فيقال : حولين لحول كامل وجزء من الحول الثّانى ، روى انّها لا تجبر الحرّة على إرضاع الولد وتجبر