إباحة المقاربة وحكم ما قبله الاعتزال وجوبا أو استحبابا وكيف كان فالآية مجملة محتاجة الى البيان (فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ) اى من مكان وثقبة أمركم الله بالإتيان منه ولا تأتوهنّ من مكان لم يأمركم الله بالإتيان منه ، فعلى هذا كانت الآية دالّة بمنطوقها على إباحة الإتيان من الفروج وبمفهومها على عدم إباحة الإتيان من غير الفروج ، أو المعنى فأتوهنّ من حيثيّة امره تعالى لا من حيثيّة محض الشبق أو نهيه ، أو من حيث أمره يعنى غاية امره مثل الاستيلاد واستفراغ البدن وفراغ البال من الخطرات الناشئة من امتلاء الاوعية والاستيناس وسكون النّفس والمقصود من هذا القيد ان يكون النّظر في المضاجعة الى نفس أمره أو غاية أمره من دون غفلة عنه تعالى فانّ المضاجعة مع الغفلة لا تكون الّا بشركة الشّيطان أو استقلاله ؛ وعلى هذا فالآية تدلّ بمفهومها على النّهى عن إتيان المحرّمات بالذّات أو بالعرض وعن الإتيان من الأدبار وعن الإتيان مع الغفلة عن الأمر وغاياته ، وقوله تعالى (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ) يدلّ على هذا فانّ التّوّاب من كان كثير المراجعة الى الله في الكثرات فكأنّه قال : كونوا كثيرى النّظر الى الأمر وكثيرى الرّجوع في جميع أحوالكم اليه تعالى والى أمره حتّى في أخسّ أحوالكم الّذى هو إتيان النّساء لانّ الله يحبّ كثيرى الرّجوع الى الله والى امره (وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) من الاقذار الجسمانيّة بالماء فانّ الطّهارة الكاملة من الاقذار لا تحصل الّا بالماء ومن الأدناس النّفسانيّة والفضلات الشّيطانيّة بماء الأمر الإلهيّ ، نسب الى الصّادق (ع) انّه قال : كان النّاس يستنجون بالكرسف والأحجار ثمّ أحدث الوضوء وهو خلق كريم فأمر به رسول الله (ص) وصنعه فأنزل الله في كتابه (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) ، وعنه (ع) انّ الآية نزلت في رجل من الأنصار أكل الدّباء فلان بطنه فتطهّر بالماء ولم يكن ديدنهم قبل ذلك التّطهير بالماء (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ) الحرث له معان لكنّ المناسب هاهنا معنى الزّرع ، وحمل المعنى على الذّات بأحد الوجوه الّتى ذكرت في حمل المعنى على الذّات ، والمقصود المبالغة في كونهنّ محلّ الزّراعة بحيث كأنهنّ لا شأن لهنّ الّا الزّرع (فَأْتُوا حَرْثَكُمْ) من حيث كونهنّ حرثا لكم وبعد ما ذكر عند قوله تعالى : (فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ) من مفهوم المخالفة واعتبار حيثيّة وصف العنوان هاهنا لا يبقى شكّ لأحد في عدم إباحة الأدبار أو كون حكمه من المجملات لا انّ إباحته مستنبطة من الآية (أَنَّى شِئْتُمْ) كيف شئتم ، أو في اىّ ساعة شئتم ، أو في اىّ مكان شئتم ، وامّا معنى من اىّ مكان شئتم وارادة الثّقبتين منه فيجوز استعمال (أَنَّى شِئْتُمْ) فيه لكن ينافيه تعليق الإتيان على عنوان الحرث ولو سلّم عدم المنافاة بسبب عدم اعتبار حيثيّة العنوان في الحكم كانت الآية بالنّسبة الى الأدبار مجملة متشابهة فالاستدلال على الإحلال بهذه الآية ليس في محلّه ، نسب الى الرّضا (ع) انّه قال : انّ اليهود كانت تقول : إذا أتى الرّجل المرأة من خلفها خرج ولده أحول فأنزل الله تعالى (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) من خلف وقدّام خلافا لقول اليهود ولم يعن في أدبارهنّ ، فقوله من خلف وقدّام اشارة الى جعله (ع) انّى شئتم بمعنى من انّى شئتم لكن نفى ارادة الأدبار ، وقيل أنكرت اليهود الوطي إذا كانت المرأة قائمة أو قاعدة فردّ الله عليهم (وَقَدِّمُوا) امر الله على امر الشّيطان أو على امر النّفس أو على العمل في إتيان النّساء أو في كلّ عمل (لِأَنْفُسِكُمْ) اى لانتفاع أنفسكم الّتى هي مقابلة عقولكم وطبائعكم والمقصود انّكم إذا قدّمتم في إتيان النّساء الأمر الالهىّ واتيتموهنّ من جهة الأمر كان انتفاعه للأنفس المقتضية لمخالفة الأمر والغفلة عنه أو لانتفاع ذواتكم فانّه إذا كان الفاعل والمفعول واحدا في غير باب علم يتخلّل الأنفس