ما معنى خراب المساجد؟
وللمفسرين خلاف في هؤلاء المقصودين بالآية ؛ هل هم الروم الذين «غزوا بيت المقدس وسعوا في خرابه ، حتى كانت أيام عمر ، فأظهر الله المسلمين عليهم وصاروا لا يدخلونه إلا خائفين» ، كما روي عن ابن عباس ومجاهد ؛ أم أنهم قريش حين منعوا رسول الله صلىاللهعليهوآله دخول مكة والمسجد الحرام ، كما روي عن أبي عبد الله جعفر الصادق عليهالسلام ، وبه قال البلخي والرماني والجبائي؟ (١).
وقد علّق الطبري في تفسيره على هذا الرأي بأن قريشا لم يسعوا في تخريب المسجد الحرام ، وبأن هذا لا يتناسب مع الآيات المتقدّمة الواردة في سياق ذمّ أهل الكتاب ، بينما ينسجم الرأي الأول معه (٢). ولكنّنا نرى مع صاحب مجمع البيان ، أنّ من الممكن أن يكون المراد من خرابها تعطيل دورها في العبادة ، لأن ذلك هو الأهم في وجودها ، وهذا ما نستوحيه من التركيز على المنع عن ذكر اسم الله فيها في بداية الآية ، مما يوحي بأن القضية تعيش في هذا الجو. وقد ورد في التفسير في قوله تعالى : (إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) [التوبة : ١٨] ، أنّ المقصود بالتعمير ، هنا ، تعميرها بالعبادة. وقد جاء في بعض الكلمات المأثورة في أخبار آخر الزمان في صفات الناس آنذاك : «مساجدهم عامرة وهي خراب من الهدى» (٣) ، مما يقرّب إرادة هذا المعنى في نطاق هذا التعبير.
__________________
(١) مجمع البيان ، ج : ١ ، ص : ٣٦٠ ـ ٣٦١.
(٢) راجع : الطبري ، ابن جرير ، جامع البيان ، دار الفكر ، ١٤١٥ ه / ١٩٩٥ م ، ج : ١ ، ص : ٦٩٧.
(٣) البحار ، م : ١ ، ج : ٢ ، باب : ١٥ ، ص : ٤٠٧ ، رواية ١٤.