مجال إعطاء الحكم وتحديد الموقف ، بل هو مجال التوعية والتعرية الذي يكتفى فيه بالصورة الواضحة التي يبصر فيها المؤمنون مواقع أقدامهم في الطريق الطويل. وقد نجد في كلمة : «وهم يتلون الكتاب» إشارة إلى التنديد بهم بأنهم يصدرون الأحكام بالتخطئة والرفض لبعضهم البعض ، مع أنهم يؤمنون بالكتاب الواحد ويتلونه ، ويمكنهم الرجوع إليه بإخلاص لتدبّر الحوار في آياته ، وللوصول إلى النتيجة الحاسمة فيما هو الحق لأي واحد منهما أو لغيرهما مما يمكن أن يحكم الكتاب له.
وهذا ما يجب أن يفهمه المسلمون الذين يتلون القرآن الذي يؤمنون به جميعا ، ولكنهم يكفّر بعضهم بعضا من دون تدبّر في آياته ، بسبب افتقادهم الروحية التي تضفي على الخلاف جوّا من السعي إلى الحقيقة للوقوف معها مهما كانت النتائج ، بعيدا عن كل تعصب وتعقيد. إن الموقف هو الموقف نفسه ، والنتائج السلبية والإيجابية هي النتائج ذاتها ، لأن الإطار في الحالتين واحد.
(وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ) فهم لا يؤمنون بالسيد المسيح ورسالته ، ولا يرون أن الإنجيل كتاب الله الذي ترتكز عليه النصرانية في شرعية معتقداتها ، فهم ـ في نظر اليهود ـ مزيّفون ، من خلال الادعاء بأن عيسى عليهالسلام ليس المسيح الموعود بل هو شخصية مزيفة ، ولذلك فإنهم ليسوا على شيء من الدين الحق. (وَقالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ) لأنهم ينكرون السيد المسيح عليهالسلام ورسالته ، فلا ينفعهم إيمانهم بالتوراة وبموسى ، لأن المؤمن الحق من يؤمن بالكتاب كله توراة وإنجيلا ، مما يجعلهم مثل الذين يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض ، لتكون المسألة في طريقة تديّنهم هي الخلط بين الإيمان والكفر ، (وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتابَ) الذي يجسّد الحقيقة في آياته ، فيزيل الشك ويرفع الشبهة ، ليكون الخط الفاصل بين الحق والباطل ، فيمكن لهم أن يدخلوا الحوار من خلاله ويديروا الجدل حول تفسيره وتأويله ،