القرب ، مما يجعله محبوبا من الله ، قريبا إليه ، مرضيّا عنده ؛ وهذا ما يشكل الأساس لكي لا يخاف الإنسان من أيّ شيء مما يخافه الناس عادة ، فالمتقون في حرز من الخوف في الدنيا والآخرة معا ، كما أن الحزن لا معنى له في وعي الإنسان الذي تتجمّع في روحه كل عناصر السرور والفرح الروحي ، انطلاقا من حصوله على رضوان الله الذي هو مصدر كل سعادة من خلال خوفه من الله وحده دون سواه ، فحصلوا من ذلك على محبته ورضاه ونعيمه ، ولعل التعبير بعبارة : (وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) بدلا من لا يخافون ، للإيحاء بأن الخوف لا وجود له في ذاته بعيدا عن الجانب الذاتي للشخص. وقد يستوحي الإنسان من إحساس المؤمن بمستقبله البعيد عن الخوف والحزن أمام واقع المصير بالآخرة ، أن ذلك يزيده قوة واطمئنانا ، فلا يخاف ولا يحزن من ضغط الآخرين في ساحة الصراع ، لأنه يملك الثقة بالله في خط رعايته له ، على هدى الآية الكريمة في الحديث عن مشاعر النبي محمد صلىاللهعليهوآله في ليلة الهجرة : (إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا) [التوبة : ٤٠] وفي الحديث عن المسلمين : (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) [آل عمران : ١٧٣].
فهل يملك هؤلاء الذين يحتكرون لأنفسهم الجنة مثل هذه الركائز الفكرية والعملية ، أم ماذا؟ إن القرآن يوحي للإنسان بكل ما تحمله كلمة «ماذا» من استفهام إنكاري يبحث عما يطرح عليهم ، فلا يجد له جوابا إلا الصمت المشبع بالشعور العميق بالذنب في أعماق المجرمين.
* * *