والسخرية ، بالعقلية الواعية التي تدرس خلفيات المجتمع الفكرية والعاطفية ، لتقف أمامه من موقع هذه المعرفة بالحجة القوية ، والكلمة الحكيمة ، والموقف المرن ، كما وقف القرآن أمام ذلك المجتمع ، فلم يخاطبهم في هذه الآية بالحكم الذي يترتب على العقلية التي أطلقت هذه الأسئلة ، بل وضعهم وجها لوجه أمام القاعدة الكلية ، وهي أن كثيرا من الخطوات التي يسير عليها الإنسان في طريقة التفكير والممارسة هي خطوات تتحرك في طريق الكفر ، فلا بدّ له أن يعي جيدا ، وهو يسير في هذا السبيل ، أن هذا يعني استبدالا للإيمان بالكفر ، ولا بدّ له أن يعي أن من يتبدل الكفر بالإيمان ـ في ما يوحيه كل منهما أو في ما يحققه للإنسان ـ فقد انحرف عن الطريق المستقيم وانطلق يتخبط خبط عشواء في مجال لا يعرف فيه أين يقف وأين يسير.
(أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ) محمدا الأسئلة التعجيزية التي لا تمثل انفتاحا على المعرفة ، بقدر ما تمثل حركة لإثارة الغبار من حول النبي صلىاللهعليهوآله ، أو لجلب الاستهزاء به وبرسالته ، أو لإعطاء المبرر العلني للجحود من خلال ما يعلمونه من أن النبي لن يجيب على مطالبهم بالإيجاب ، لأن الرسول لا يملك القدرة الذاتية عليه ، ولن يستجيب الله لهم بذلك ، لأنه قد يكون محالا من جهة وقد يكون نوعا من العبث من جهة أخرى. (كَما سُئِلَ مُوسى مِنْ قَبْلُ) من الأسئلة المتعلقة بالمحال انطلاقا من كفرهم وعبثهم به. إن هذا يمثل انفتاحا على الكفر في إيحاءاته وطروحاته (وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ) فيخرج عن خط الانتماء إلى الإيمان إلى خط الكفر بشكل مباشر أو غير مباشر ، (فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ) وابتعد عن خط الاستقامة الذي يؤدي إلى النجاة ، ووقع في التيه الفكري والعملي الذي يؤدي به إلى الهلاك في الدنيا والآخرة.
أمّا العبرة من ذلك ، فهي أن يدرس المؤمنون المسلمون إيمانهم في خط الإسلام ، ليتعرفوا عمقه وامتداده ، وليلتزموا كل مفرداته العقيدية والمنهجية والشرعية ، ليتحركوا في كل أوضاعهم من خلال هذا الوعي العميق الواسع ،