ومسئولية (مِنْ دُونِ النَّاسِ) الّذين يحاسبون على كل ما عملوا من صغيرة وكبيرة ، (فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) لأن الدار الآخرة للمؤمنين في التفكير الديني نعيم لا بؤس فيه ، وسعادة لا شقاء معها ، فهي الحياة المثالية التي هي أعلى مستوى للحياة ، لأنها تحقق للإنسان كل أحلامه بل فوق أحلامه ؛ كما ورد في الحديث المأثور عن الجنة : فيها «ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر» (١). فإذا كانت لكم هذه المنزلة الرفيعة ، التي تمنحكم مثل هذه الحياة عند الله ، فتمنّوا الموت الذي ينقلكم إليها من دون جهد أو تعب ، فإن الإنسان يتمنى المستوى الأفضل للحياة بشكل طبيعي. (وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) فهم يعرفون ما قدموا من جرائم يحاسبون عليها يوم القيامة ، فيتعرضون من أجلها لأقصى أنواع العقاب ، فكيف يتمنّون الموت بعد ذلك؟ (وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ).
(وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا) أحرص الناس على حياة ، مهما كانت ذليلة أو غير مسئولة ، هؤلاء الذين يعتبرون الحياة الدنيا نهاية المطاف والفرصة الأخيرة للاستمتاع ، إنهم لا يحرصون على هذه الحياة كما يحرص عليها اليهود (يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ) ليبتعد عن أشباح الجريمة والعقاب التي تلاحقه في يقظته ومنامه ، ولكن ما فائدة الألف سنة من العمر لو عمّر ألف سنة؟! إن النتيجة الحاسمة ستكون أمامه (وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ) لأنه سيلتقي بالعذاب وجها لوجه على أساس ما جنته يداه (وَاللهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ).
* * *
__________________
(١) البحار ، م : ٣ ، ج : ٨ ، باب : ٢٣ ، ص : ٤٨٩.