مال الغير إلّا بإذنه ، فإنّ الرضا اللاحق لا ينفع (١) في رفع القبح الثابت حال
______________________________________________________
(١) لأنّ الفعل لا يتغيّر وصفه الذي كان ثابتا له حين وقوعه ، فإذا وقع بعنوان الظلم مثلا لا يرتفع عنه هذا الوصف ، ولا يقال : إنّ حدوثه لم يكن بصفة الظلم.
__________________
وأمّا ثانيا : فلأنّه لا موضوع في عقد الفضولي لحكم العقل ، ضرورة أنّ موضوعه التصرف ، وهو إمّا خارجي أعني به المماسة مع الشيء كالأكل واللبس والافتراش ونحوها ، وإمّا اعتباري كالملكية.
وكلاهما مفقود في عقد الفضولي. أمّا الأوّل فواضح. وأمّا الثاني فلتوقفه على حصول إضافة الملكية القهرية بعقد الفضولي. ومن الواضح عدم تحققها بمجرد العقد ، وعدم حصول إجازة المالك. فالتصرف الذي هو موضوع حكم العقل ـ بكلا قسميه من الخارجي والاعتباري ـ مفقود في عقد الفضولي. ومع فرض عدم صدق التصرف عليه لا يحكم العقل بقبحه حتى يحكم بقاعدة الملازمة بحرمته المقتضية لفساده. فالاستدلال على بطلان عقد الفضولي بحكم العقل الذي جعل رابع أدلة بطلانه غير واضح.
ثمّ إنّه ـ بعد الغضّ عن جميع ذلك ، وتسليم حكم العقل بالقبح ، واستكشاف حرمته بقاعدة الملازمة ـ لا نسلم دلالة هذه الحرمة على البطلان ، بمعنى لغوية الإنشاء ، وعدم صلاحيته للتأثير ولو بإجازة المالك. وذلك لأن فساده ناش من عدم إضافة العقد إلى المالك ، وليس ناشئا من نفس العقد من حيث هو كبيع المصحف من الكافر ، والبيع الربويّ ، حيث لا يقبل الصحة أصلا.
وبالجملة : فلا يدلّ العقل على فساد عقد الفضولي كفساد البيع الربويّ ، ولو دلّ لكانت دلالته على حدّ دلالة السنّة على الفساد. وقد عرفت أنّ المراد بالفساد عدم الصحة الفعلية ، لا عدم الصحة التأهلية ، فإنّ عدم الصحة الفعلية مسلّم عند الكل حتى عند القائلين بصحة الفضولي ، حيث إنّهم لا يدّعون الصحة الفعلية ، بل مصبّ النزاع بين المثبتين والنافين هو الصحة التأهليّة.