ثمّ إنّ (١) حقيقة الإكراه لغة وعرفا حمل الغير على ما يكرهه.
______________________________________________________
حقيقة الإكراه ، وما يعتبر في صدقه
(١) هذا شروع في جهة أخرى من جهات البحث في عقد المكره ، وهي تحديد الموضوع أعني به الإكراه ليترتب عليه حكمه ، في قبال الاضطرار والجبر والإلجاء. ومحصله : أنّه لمّا لم يكن للإكراه حقيقة شرعية كان المرجع في معناه إلى العرف ولو باستكشافه من كلام اللغوي ، وقد عرّفه الجوهري بما في المتن ، حيث قال : «وأكرهته على كذا حملته عليه كرها» (١).
والمستفاد من هذا التعريف توقف صدق الإكراه على اجتماع أمور ثلاثة :
الأوّل : تحميل المكره شيئا مقرونا بالتهديد بإيراد ضرر عليه لو خالفه.
الثاني : أن يكون ما توعّد به مضرّا لا يتحمّل عادة ، سواء أكان الضرر متوجها إلى شخص المكره أو إلى ذويه كالوالد والولد والزوجة. وسواء أكان في النفس أو في الطرف أو في العرض ، أو في المال. فلو أكرهه على البيع مثلا وهدّده بأخذ مال منه لو لم يبع ، ولم يكن دفع ذلك المال مضرّا بحال المكره ـ ليساره وكثرة أمواله ـ لم يتحقق الإكراه.
الثالث : علم المكره أو ظنّه بترتب المتوعد به لو خالف ، بأن يكون المكره قادرا على المؤاخذة ، والمكره مقهورا عاجزا عن دفع الضرر.
فإن اجتمع هذه الأمور تحقق الإكراه ، بمعنى عدم استقلال المكره في التصرف ، أي عدم طيب نفسه بما يصدر منه من فعل ، إذ في تركه مظنة الضرر. وهذا لا ينافي صدوره منه باختياره إمّا دفعا للضرر المتوعّد به من طرف المكره. وإمّا لترجيح أخفّ الضررين على الأشدّ ، كما إذا تضرّر المكره من بيع دار سكناه ، ولكنه يقدم على بيعها ويتحمّل الضرر المادّي ، دفعا للضرر الأعظم المتوعد به كالقتل.
والجامع بين الفرضين عدم رضاه بما يفعله ، لأنّ علمه بتحقق الوعيد أو ظنّه به
__________________
(١) صحاح اللغة ، ج ٦ ، ص ٢٢٤٧.