الخراساني نسخت بقوله (وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً) [التوبة : ١٢٢].
ولقائل أن يقول : اتفقوا على أن هذه الآيات نزلت في غزوة تبوك ، واتفقوا على أنّه عليه الصّلاة والسّلام خلف النساء وخلف من الرجال أقواما ، فدلّ ذلك على أنّ هذا الوجوب ليس على الأعيان ، بل من فروض الكفايات ، فمن أمره الرسول بالخروج ، لزمه خفافا وثقالا ، ومن أمره بأن يبقى ترك النفير. وحينئذ لا حاجة إلى التزام النسخ. وأيضا فقوله : (وَسَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ) [التوبة : ٤٢] دليل على أنّ قوله : (انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً) إنّما يتناول من كان قادرا متمكنا ، إذ لو لم تكن الاستطاعة معتبرة في ذلك التكليف ، لما أمكنهم جعل عدم الاستطاعة عذرا في التخلف ، فدلّ على عدم النسخ فيها.
قوله : (وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ).
فيه قولان :
الأول : أنّها تدلّ على أنّ الجهاد يجب على من له المال والنفس ، ومن لم يكن له ذلك ، لم يجب عليه الجهاد.
والثاني : أنّ الجهاد بالنفس يجب إذا انفرد وقوي ، ويجب بالمال إذا ضعف عن الجهاد بنفسه ؛ فيلزمه أن ينيب من يغزو عنه بنفقة من عنده ، وذهب إلى هذا كثير من العلماء.
ثم قال : (ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ).
فإن قيل : كيف يصح أن يقال : الجهاد خير من القعود عنه ، ولا خير في القعود؟.
فالجواب : من وجهين :
الأول : أنّ لفظ «خير» يستعمل في شيئين :
أحدهما : بمعنى : هذا خير من الآخر. والثاني : أنه خير في نفسه ، كقوله تعالى (إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) [القصص : ٢٤].
وقوله : (وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ) [العاديات : ٨] ، وعلى هذا سقط السّؤال.
والثاني : سلمنا أنّ المراد كونه خيرا من غيره ، إلا أن التقدير : أن ما يستفاد من نعيم الآخرة بالجهاد خير ممّا يستفيده القاعد عنه من الرّاحة والتنعم بها ، ولذلك قال تعالى : (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ).
قوله : (لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً) الآية.
لمّا بالغ في ترغيبهم في الجهاد ، وأمرهم بالنّفير ، عاد إلى تقرير كونهم متثاقلين ، بقوله : (لَوْ كانَ عَرَضاً) اسم «كان» ضمير يعود على ما دل عليه السّياق ، أي : لو كان ما دعوتهم إليه.
والعرض : ما عرض لك من منافع الدّنيا ، والمراد هنا : غنيمة قريبة المتناول ،