قال القرطبيّ (١) «أحقّ» هو أفعل من الحق ، و «أفعل» لا يدخل إلّا بين شيئين مشتركين لأحدهما مزيّة في المعنى الذي اشتركا فيه على الآخر ، فمسجد الضّرار وإن كان باطلا لا حقّ فيه ، فقد اشتركا في الحقّ من جهة اعتقاد بانيه ، أو من جهة اعتقاد من كان يظن أنّ القيام فيه جائز للمسجدية ، لكن أحد الاعتقادين باطل باطنا عند الله ، والآخر حق باطنا وظاهرا ، ومثله قوله تعالى : (أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً) [الفرقان : ٢٤] ومعلوم أنّه لا خيرية في النّار ، لكنه جرى على اعتقاد كلّ فرقة أنّها خير ، وأنّ مصيرها إلى خير ، إذ كل حزب بما لديهم فرحون. و (أَنْ تَقُومَ) أي : بأن تقوم. والتاء لخطاب الرّسول ـ عليه الصلاة والسّلام ـ. و «فيه» متعلق به. قوله : (فِيهِ رِجالٌ) يجوز أن تكون «فيه» صفة لمسجد و «رجال» فاعل ، وأن تكون حالا من الهاء في «فيه» ، و «رجال» فاعل به أيضا ، وهذان أولى من حيث إنّ الوصف بالمفرد أصل ، والجارّ قريب من المفرد.
ويجوز أن يكون «فيه» خبرا مقدّما ، و «رجال» مبتدأ مؤخر. وفي هذه الجملة أيضا ثلاثة أوجه :
أحدها : الوصف.
والثاني : الحال على ما تقدم.
والثالث : الاستئناف.
وقرأ عبد الله (٢) بن زيد «فيه» بكسر الهاء ، و «فيه» الثانية بضمها ، وهو الأصل ، جمع بذلك بين اللغتين ، وفيه أيضا رفع توهّم التوكيد ، ورفع توهّم أنّ «رجال» مرفوع ب «تقوم». وقوله «يحبّون» صفة ل «رجال» ، و «أن» مفعول به. وقرأ طلحة (٣) بن مصرف ، والأعمش «يطّهّروا» بالإدغام. وعلي بن أبي طالب «المتطهّرين» بالإظهار عكس قراءة الجمهور في اللفظتين.
فصل
معنى «أسس» أي : بني أصله (عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ) بني ووضع أساسه (أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ) مصليا. واختلفوا في المسجد الذي أسّس على التقوى ، فقال ابن عمر وزيد ابن ثابت ، وأبو سعيد الخدري : هو مسجد النبي صلىاللهعليهوسلم ويدلّ عليه ما روى حميد الخراط قال : سمعت أبا سلمة بن عبد الرّحمن قال : مرّ بي عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدريّ قال : قلت له : كيف سمعت أباك يذكر في المسجد الذي أسّس على التّقوى؟ قال : قال أبي : دخلت على رسول اللهصلىاللهعليهوسلم في بيت بعض نسائه فقلت يا رسول الله ، أيّ المسجدين
__________________
(١) ينظر : تفسير القرطبي ٨ / ١٦٦.
(٢) ينظر : المحرر الوجيز ٣ / ٨٣ ، البحر المحيط ٥ / ١٠٣ ، الدر المصون ٣ / ٥٠٤.
(٣) ينظر : الكشاف ٢ / ٣١١ ، المحرر الوجيز ٣ / ٨٤ ، البحر المحيط ٥ / ١٠٣ ، الدر المصون ٣ / ٥٠٤.