عنى حذف الاقتصار فمسلّم ، وإن عنى حذف الاختصار فممنوع ، وقد تقدّم مذاهب النّاس في هذه المسألة.
وقوله : (قَدْ نَبَّأَنَا اللهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ) علّة لانتفاء تصديقهم. ثم قال : (وَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ) فيما تستأنفون ، أتتوبون من نفاقكم أم تقيمون عليه؟ (ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ).
فإن قيل : لمّا قال : (وَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ) فلم لم يقل ، ثمّ تردّون إليه؟.
فالجواب : أنّ في وصفه تعالى بكونه (عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) ما يدلّ على كونه مطلعا على بواطنهم الخبيثة ، وضمائرهم المملوءة بالكذب والكيد ، وفيه تخويف شديد ، وزجر عظيم لهم.
قوله تعالى : (سَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (٩٥) يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ (٩٦) الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٩٧) وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٩٨) وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللهِ وَصَلَواتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٩٩) وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٠٠) وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ (١٠١) وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(١٠٢)
قوله تعالى : (سَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ) الآية.
لمّا حكى عنهم أنّهم يعتذرون إليكم ، ذكر هنا أنّهم يؤكدون تلك الأعذار بالأيمان الكاذبة (إِذَا انْقَلَبْتُمْ) انصرفتم إليهم أنهم ما قدروا على الخروج. (لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ) أي : لتصفحوا عنهم ولا تؤنبوهم.
ثم قال تعالى : (فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ) قال ابن عباس : يريد ترك الكلام والسّلام (١).
__________________
(١) ذكره الرازي في «تفسيره» (١٦ / ١٣) عن ابن عباس.