أوحي إليه (وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ) الآية ، فقال أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ألهذا خاصة أم للناس عامة؟ قال : «بل للنّاس عامّة» (١). وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أنّ رسول اللهصلىاللهعليهوسلم كان يقول : «الصّلوات الخمس ، والجمعة إلى الجمعة ، ورمضان إلى رمضان مكفّرات ما بينهنّ إذا اجتنبت الكبائر» (٢).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «أرأيتم لو أنّ نهرا بباب أحدكم يغتسل فيه كلّ يوم خمس مرّات ، هل يبقى من درنه شيء»؟ قالوا : لا ، قال : «فذلك مثل الصّلوات الخمس ، يمحو الله بهنّ الخطايا» (٣).
فصل
احتجّ من قال إنّ المعصية لا تضرّ مع الإيمان بهذه الآية ؛ لأنّ الإيمان أشرف الحسنات ، وأجلها ، وأعظمها ، ودلّت الآية على أنّ الحسنات تذهب السيئات ، والإيمان يذهب الكفر الذي هو أعلى درجة في العصيان ؛ فلأن يذهب المعصية التي هي أقل درجة أولى ، فإن لم يفد إزالة العقاب بالكلية فلا أقلّ من أن يفيد إزالة العقاب الدّائم المؤبّد.
ثم قال تعالى : (ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ) أي : ذلك الذي ذكرناه ، وقيل : إشارة إلى القرآن «ذكرى» موعظة ، «للذّاكرين» أي : لمن ذكره. (وَاصْبِرْ) يا محمّد على ما تلقى من الأذى.
وقيل : على الصّلاة ، نظيره : قوله تعالى : (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها) [طه : ١٣٢]. (فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ،) في أعمالهم ، وقال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ : «يعني المصلّين» (٤).
قوله تعالى : (فَلَوْ لا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ما أُتْرِفُوا فِيهِ وَكانُوا مُجْرِمِينَ
__________________
(١) أخرجه الترمذي (٥ / ٢٧٢ ـ ٢٧٣) كتاب التفسير : سورة هود حديث (٣١١٥) والنسائي في الكبرى (٦ / ٣٦٦) رقم (١١٢٤٨) والطبري في «تفسيره» (٧ / ١٣٤).
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٦٣٨) وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن مردويه.
وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح.
(٢) أخرجه مسلم ١ / ٢٠٩ ، كتاب الطهارة : باب الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة (١٦ / ٢٣٣) والترمذي ١ / ٤١٨ ـ ٤١٩ كتاب الصلاة : باب ما جاء في فضل الصلوات الخمس (٢١٤) وأحمد ٢ / ٤٨٤.
(٣) أخرجه البخاري ٢ / ١١ ، كتاب مواقيت الصلاة باب الصلوات الخمس كفارة (٥٢٨) ، ومسلم ١ / ٤٦٢ ـ ٤٦٣ كتاب المساجد ومواضع الصلاة : باب المشي إلى الصلاة تمحى به الخطايا ويرفع به الدرجات (٢٨٣ / ٦٦٧) والترمذي ١ / ٤١٨ ، كتاب الصلاة : باب ما جاء في فضل الصلوات الخمس (٢١٤) ، وأحمد ٢ / ٤٨٤.
(٤) ذكره القرطبي في «تفسيره» (٩ / ٧٥).