والمعطوف» وفيه نظر ، من حيث إنّه يوهم أنّ الجملة معطوفة على ما قبلها ، عطف المفرد على مثله تقديرا ، وليس كذلك ، بل هي مستأنفة ، وإذا كانت مستأنفة فلا يقال فيها : فصل الظّرف بين حرف العطف والمعطوف ، وإنّما ذلك في المتعاطفين المفردين ، أو ما في تأويلهما ، وقد تقدّم تحقيقه في قوله تعالى : (رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً) [البقرة : ٢٠١] وفي قوله: (وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) [النساء : ٥٨].
وقرأ زيد (١) بن علي خالدين بالياء ، نصبا على الحال من الضمير المستتر في الجارّ قبله ، لأنّ الجارّ صار خبرا ، كقولك : في الدار زيد قاعدا ، فقد رفع زيد بن علي «شاهدين» ، ونصب «خالدون» عكس قراءة الجمهور فيها.
فصل
احتج أهل السّنّة بهذه الآية على أنّ الفاسق من أهل الصّلاة ، لا يخلد في النار من وجهين:
الأول : أن قوله (وَفِي النَّارِ هُمْ خالِدُونَ) يفيد الحصر ، أي : هم فيها خالدون لا غيرهم ؛ لأنّ هذا الكلام إنّما ورد في حق الكفار.
الثاني : أنّه تعالى جعل الخلود في النار للكافر جزاء على كفره ، ولو كان هذا الحكم ثابتا لغير الكفار ، لما صحّ تهديد الكافر به.
قوله : (إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ) جمهور القراء على الجمع ، وقرأ الجحدريّ (٢) ، وحماد بن أبي سلمة عن ابن كثير بالإفراد ، والتّوجيه يؤخذ ممّا تقدّم ، والظّاهر أن الجمع هنا حقيقة ؛ لأن المراد : جميع المؤمنين العامرين لجميع مساجد أقطار الأرض.
فصل
اعلم أنّه تعالى لمّا بيّن أنّ الكافر ليس له أن يشتغل بعمارة المسجد ، بيّن أنّ المشتغل بهذا العمل يجب أن يكون موصوفا بصفات أربع ، فقال : (إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللهَ) فبين أنه لا بدّ من الإيمان بالله ؛ لأن المسجد عبارة عن الموضع الذي يعبد الله فيه ، والكافر يمتنع منه ذلك ، وأمّا كونه مؤمنا باليوم الآخر ، لأنّ عبادة الله إنّما تفيد في القيامة ، فمن أنكر القيامة ، لم يعبد الله ، ومن لم يعبد الله ، لم يبن بناء لعبادة الله.
فإن قيل : لم لم يذكر الإيمان بالرّسول ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ؟.
فالجواب : من وجوه :
__________________
(١) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٢١ ، الدر المصون ٣ / ٤٥٣.
(٢) ينظر : الكشاف ٢ / ٢٥٤ ، المحرر الوجيز ٣ / ١٥ ، البحر المحيط ٥ / ٢١ ، الدر المصون ٣ / ٤٥٤.