قوله : (إِنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ). الآية.
فيها فوائد :
أحدها : أنّه تعالى لمّا أمر بالبراءة من الكفّار ، بيّن أنّه له ملك السموات والأرض ، فإذا كان هو ناصركم فهم لا يقدرون على إضراركم.
وثانيها : أنّ المسلمين قالوا : لمّا أمرتنا بالانقطاع عن الكفّار ؛ فحينئذ لا يمكننا أن نختلط بآبائنا ، وأولادنا ، وإخواننا ، فكأنّه قيل : إن صرتم محرومين عن معاونتهم ومناصرتهم ، فالإله المالك للسّموات والأرض ، المحيي المميت ناصركم ؛ فلا يضركم انقطاعهم عنكم.
وثالثها : أنّه تعالى لمّا أمر بهذه التكاليف الشّاقة كأنّه قال : وجب عليكم أن تنقادوا لحكمي ، لكوني إلهكم ، ولكونكم عبيدا لي.
قوله تعالى : (لَقَدْ تابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (١١٧) وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١١٨) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)(١١٩)
قوله : (لَقَدْ تابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ) الآية.
لمّا شرح أحوال غزوة تبوك ، وأحوال المتخلّفين عنها ، عاد إلى شرح ما بقي من أحكامها فقال : (لَقَدْ تابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِ) الآية. تاب الله : تجاوز وصفح ، ومعنى توبته على النبيّ : مؤاخذته بإذنه للمنافقين في التخلّف ، فقال : (عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ) [التوبة : ٤٣] ، وعلى المؤمنين من ميل قلوب بعضهم إلى التخلّف عنه.
وقيل : توبة الله عليهم استنقاذهم من شدّة العسرة. وقيل : خلاصهم من نكاية العدوّ وعبّر عن ذلك بالتوبة ـ وإن خرج عن عرفها ـ لوجود معنى التّوبة فيه ، وهو الرّجوع إلى الحالة الأولى. وقيل : افتتح الكلام به ؛ لأنّه كان سبب توبتهم ، فذكره معهم ، كقوله تعالى : (فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ) [الأنفال : ٤١]. وقيل : لا يبعد أن يكون صدر عن أولئك الأقوام أنواع من المعاصي ، إلّا أنّه تعالى تاب عليهم ، وعفا عنهم ، لأجل تحملهم مشاق السفر في شدة الحر للجهاد ، ثم إنّه تعالى ضمّ ذكر الرسول إلى ذكرهم ، تنبيها على عظم مراتبهم في الدّين وأنهم قد بلغوا إلى الدرجة التي لأجلها ضم الرسول ـ عليه الصلاة والسّلام ـ إليهم في قبول التوبة.
قوله : «... اتّبعوه» يجوز فيه وجهان :