كلام العجم الدّيباج والدّينار ، والسّندس ، والإستبرق ، فإنّ العرب تكلّموا بها ؛ فصارت عربية». قيل : إنّ امرأته كانت تخبز في ذلك التنور ، فأخبرته بخروج الماء من ذلك التنور فاشتغل في الحال بوضع هذه الأشياء في السفينة.
قوله : (قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) قرأ العامّة بإضافة «كل» ل «زوجين».
وقرأ حفص (١) بتنوين «كل» ، فأمّا العامة فقيل : إنّ مفعول «احمل» «اثنين» ، و (مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ) في محلّ نصب على الحال من المفعول ؛ لأنه كان صفة للنّكرة ، فلمّا قدّم عليها نصب حالا وقيل : بل «من» زائدة ، و «كل» مفعول به ، و «اثنين» نعت ل «زوجين» على التّأكيد ، وهذا إنّما يتمّ على قول من يرى زيادة «من» مطلقا ، أو في كلام موجب.
وقيل : قوله : «زوجين» بمعنى العموم أي : من كل ما له ازدواج ، هذا معنى قوله : (مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ) وهو قول الفارسيّ وغيره.
قال ابن عطيّة : ولو كان المعنى : احمل فيها من كل زوجين حاصلين اثنين ، لوجب أن يحمل من كلّ نوع أربعة ، والزوج في مشهور كلامهم للواحد ممّا له ازدواج.
قال ـ سبحانه وتعالى ـ : (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ) [الذاريات : ٤٩] ، ويقال للمرأة زوج ، قال تعالى : (وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها) [النساء : ١] يعني المرأة ، وهو زوجها ، وقال: (وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى) [النجم : ٤٥] فالواحد يقال له : زوج ، قال تعالى: (ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ) [الأنعام : ١٤٣] ، (وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ) [الأنعام : ١٤٤].
فالزّوجان : عبارة عن كل اثنين لا يستغني أحدهما عن الآخر ، يقال لكلّ واحد منهما زوج ، يقال زوج خفّ ، وزوج نعل ، والمراد بالزّوجين ههنا : الذّكر والأنثى.
وأمّا قراءة حفص فمعناها : من كلّ حيوان أو من كلّ صنف ، و «زوجين» مفعول به ، و «اثنين» نعت على التأكيد ، كقوله (لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ) [النحل : ٥١] ، و (مِنْ كُلٍّ) على هذه القراءة يجوز أن يتعلق ب «احمل» وهو الظّاهر ، وأن يتعلق بمحذوف على أنّها حال من «زوجين» وهذا الخلاف والتخريج جاريان أيضا في سورة «قد أفلح».
فصل
اختلفوا في أنه هل دخل في قوله : (زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) غير الحيوان أم لا؟ فنقول فالحيوان مراد ولا بد ، وأما النّبات فاللفظ لا يدل عليه ، إلا أنه بقرينة الحال لا يبعد دخوله لأنّ الناس محتاجون إلى النبات بجميع أقسامه.
__________________
(١) ينظر : الحجة ٤ / ٣٢٤ وإعراب القراءات السبع ١ / ٢٨٠ وحجة القراءات ٣٣٩ والإتحاف ٢ / ١٢٥ والمحرر الوجيز ٣ / ١٧١ والبحر المحيط ٥ / ٢٢٣ والدر المصون ٤ / ٩٨.