أحدهما : أنّه مبتدأ وخبره محذوف ، أي : سلام عليكم.
والثاني : أنّه خبر مبتدأ محذوف أي : أمري أو قولي سلام.
وقد تقدّم أنّ الرفع أدلّ على الثّبوت من النّصب [الفاتحة : ٢] ، والجملة بأسرها ـ وإن كان أحد جزأيها محذوفا ـ في محلّ نصب بالقول ؛ كقوله : [الطويل]
٢٩٨٥ ـ إذا ذقت فاها قلت : طعم مدامة |
|
......... (١) |
وقرأ الأخوان (٢) : «قال سلم» هنا وفي سورة الذّاريات بكسر السين وسكون اللّام.
ويلزم بالضرورة سقوط الألف ، قال الفرّاء : «هما لغتان كحرم وحرام وحلّ وحلال» ؛ وأنشد : [الطويل]
٢٩٨٦ ـ مررنا فقلنا : إيه سلم فسلّمت |
|
كما اكتلّ بالبرق الغمام اللّوائح (٣) |
يريد : سلام ؛ بدليل : فسلّمت.
وقال الفارسي : «السّلم» بالكسر ضد الحرب ، وناسب ذلك لأنّهم لمّا امتنعوا من تناول ما قدّمه إليهم ، أنكرهم ، وأوجس منهم خيفة ، فقال : أنا سلم ، أي : مسالمكم غير محارب لكم ، فلم تمتنعوا من تناول طعامي؟.
قال ابن الخطيب (٤) ـ رحمهالله ـ : وهذا بعيد ؛ لأنّ على هذا التقدير ينبغي أن يكون تكلّم إبراهيم ـ عليه الصلاة والسّلام ـ بهذا اللفظ بعد إحضار الطّعام ، والقرآن يدل على أنّ هذا الكلام قبل إحضار الطّعام ؛ لأنّه تعالى قال : (قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ) والفاء للتّعقيب ، فدلّ على أنّ مجيئه بالعجل الحنيذ بعد السّلام.
فصل
أكثر ما يستعمل «سلام عليكم» منكّرا ؛ لأنّه في معنى الدّعاء كقولهم : خير بين يديك.
فإن قيل : كيف جاز الابتداء بالنّكرة؟.
__________________
(١) صدر بيت لامرىء القيس وعجزه :
معتقة مما يجيء به التجر
ينظر : ديوانه (٩٩) والهمع ١ / ١٥٧ والدرر ١ / ١٣٨ واللسان (تجر) والبحر المحيط ٥ / ٢٤٢ والدر المصون ٤ / ١١٢.
(٢) ينظر : السبعة ٣٣٧ ، ٣٣٨ والحجة ٤ / ٣٥٩ وإعراب القراءات السبع ١ / ٢٨٨ وحجة القراءات ٣٤٦ والإتحاف ٢ / ١٣٠ والمحرر الوجيز ٣ / ٣ / ١٨٧ والبحر المحيط ٥ / ٢٤٢ والدر المصون ٤ / ١١٢.
(٣) ينظر البيت في البحر المحيط ٥ / ٢٤٢ ومعاني الفراء ٢ / ٢١ وروح المعاني ١٢ / ٩٤ والطبري ١٥ / ٣٨٣ واللسان (سلم) والكشاف ٢ / ٤٠٩ والدر المصون ٤ / ١١٢.
(٤) ينظر : تفسير الفخر الرازي ١٧ / ٢٠.