(وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) قيل : هذا من كلام الله ـ تعالى ـ قال لهم ذلك على سبيل اللّعن والطّرد. وقيل : من كلام نوح وأصحابه ؛ لأنّ الغالب ممّن سلم من الأمر الهائل بسبب اجتماعهم مع الظلمة فإذا هلكوا ونجا منهم قال مثل هذا الكلام.
قال ابن عبّاس ـ رضي الله عنهما ـ : لمّا عرف نوح ـ عليه الصلاة والسّلام ـ أنّ الماء قد نضب هبط إلى أسفل الجودي فابتنى قرية وسماها ثمانين بعدد من كان معه من المؤمنين ؛ فأصبحوا ذات يوم ، وقد تبلبلت ألسنتهم على ثمانين لغة إحداها لغة العرب ، فكان بعضهم لا يفقه كلام بعض ، فكان نوح ـ عليه الصلاة والسّلام ـ يعبر عنهم.
قوله تعالى : (وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ (٤٥) قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ (٤٦) قالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ (٤٧) قِيلَ يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ (٤٨) تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ)(٤٩)
قوله تعالى : (وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ) الآية.
قوله : «فقال» عطف على «نادى». قال الزمخشريّ : فإن قلت : وإذا كان النداء هو قوله «ربّ» فكيف عطف (فَقالَ رَبِّ) على «نادى» بالفاء؟ قلت : أريد بالنداء إرادة النداء ، ولو أريد النداء نفسه لجاء ـ كما جاء في قوله : (إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا) [مريم : ٣] ـ (قالَ رَبِ) [مريم : ٤] بغير فاء.
فصل
تقدّم الكلام في أنّه هل كان ابنا له أم لا؟ فقوله : (رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي) وقد وعدتني أن تنجيني وأهلي (وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ) لا خلف فيه (وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ) حكمت على قوم بالنّجاة وعلى قوم بالكفر والهلاك ؛ قال الله : (يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ) واعلم أنّه لمّا ثبت بالدليل ، أنه كان ابنا له ، وجب أن يكون المراد : ليس من أهل دينك. وقيل : ليس من أهلك الذين وعدتك أن أنجيهم معك.
قوله : (إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ) : قرأ (١) الكسائيّ «عمل» فعلا ماضيا ، و «غير» نصبا.
__________________
(١) ينظر : الحجة ٤ / ٣٤١ وإعراب القراءات السبع ١ / ٢٨٣ وحجة القراءات ٣٤١ وقرأ بها أيضا يعقوب ينظر : الإتحاف ٢ / ١٢٧ والمحرر الوجيز ٣ / ١٧٧ والبحر المحيط ٥ / ٢٢٩ والدر المصون ٤ / ١٠٤.