من ذلك كائن ، فكيف أملك لكم الضّرر وجلب العذاب؟».
فصل
احتجّ المعتزلة بقوله : (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلا نَفْعاً إِلَّا ما شاءَ اللهُ) بأن هذا الاستثناء ، يدلّ على أنّ العبد لا يملك لنفسه ضرّا ولا نفعا ، إلّا الطّاعة والمعصية ، فهذا الاستثناء يدل على كون العبد مستقلا بهما.
وأجيبوا : بأنّ هذا الاستثناء منقطع ، والتقدير : ولكن ما شاء الله من ذلك كائن.
قوله : (لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ) أي : مدّة مضروبة (إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ) : وقت فناء أعمارهم ، قرأ ابن (١) سيرين : «إذا جاء آجالهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون» أي : لا يتأخّرون ، ولا يتقدمون ، وهذه الآية تدلّ على أنّ أحدا لا يموت إلا بانقضاء أجله.
فصل
قوله : (إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ) شرط ، وقوله : (فَلا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) أي : لا يتأخّرون ولا يتقدمون ، وهذه الآية تدل على جزاء ، و «الفاء» حرف الجزاء ؛ فوجب إدخاله على الجزاء ، فدلّت الآية على أنّ الجزاء يحصل مع حصول الشّرط لا يتأخّر عنه ، وأنّ حرف الفاء لا يدلّ على التّراخي ؛ وإنّما يدلّ على كونه جزاء.
وإذا ثبت هذا ، فنقول : إذا قال الرجل لامرأة أجنبيّة : إن تزوجتك ، فأنت طالق ؛ قال بعضهم : لا يصح هذا التعليق ؛ لأنّ هذه الآية دلّت على أنّ الجزاء إنّما يحصل بحصول الشّرط ، فلو صحّ هذا التعليق ، لوجب أن يحصل الطلاق مقارنا للنّكاح ، لما ثبت أنّ الجزاء يجب حصوله مع حصول الشرط ، وذلك يوجب الجمع بين الضّدّين ، ولمّا بطل هذا اللّازم ، وجب ألّا يصحّ التعليق ، وقال أبو حنيفة : يصحّ.
قوله تعالى : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُهُ بَياتاً أَوْ نَهاراً ما ذا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ (٥٠) أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ آلْآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (٥١) ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ)(٥٢)
قوله ـ تعالى ـ : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُهُ بَياتاً) الآية.
هذا جواب ثان عن قولهم : (مَتى هذَا الْوَعْدُ) وقد تقدّم الكلام على «أرأيت» هذه ، وأنّها تتضمّن معنى : أخبرني ، فتتعدّى إلى اثنين ، ثانيهما غالبا جملة استفهاميّة ، فينعقد منها مع ما قبلها مبتدأ وخبر ، كقولهم : «أرأيتك زيدا ما صنع» وتقدّم مذاهب النّاس فيها في «عذاب» ، والمسألة من إعمال الثاني ؛ إذ هو المختار عند البصريّين ، ولمّا أعمله
__________________
(١) ينظر : الكشاف ٢ / ٣٥٠ ، المحرر الوجيز ٣ / ١٢٤ ، البحر المحيط ٥ / ١٦٥.