والتقدير : لا يريد إلا أن يتمّ نوره ، إلّا أنّ الإباء يفيد زيادة عدم الإرادة ، وهي المنع والامتناع.
والدليل عليه قوله عليهالسلام : «وإذا أرادوا ظلمنا أبينا» (١) فامتدح بذلك ، ولا يجوز أن يمتدح بأنّه يكره الظلم ؛ لأنّ ذلك يصح من القوي والضعيف.
وقال الزّجاج (٢) «إنّ المستثنى منه محذوف ، تقديره : ويأبى أي : ويكره كلّ شيء إلّا أن يتمّ نوره» وقد جمع أبو البقاء بين مذهب الزجاج ، ومذهب غيره فجعلهما مذهبا واحدا فقال(٣): «يأبى بمعنى : يكره ، ويكره بمعنى يمنع ، فلذلك استثنى ، لما فيه من معنى النّفي ، والتقدير : يأبى كلّ شيء إلّا إتمام نوره». أي : يعلي دينه ويظهر كلمته ، ويتم الحق الذي بعث به محمداصلىاللهعليهوسلم : (وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ).
قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ). يعني : الذي يأبى إلّا إتمام دينه ، هو الذي أرسل رسوله محمدا : «بالهدى» ، أي : القرآن ، وقيل : ببيان الفرائض (وَدِينِ الْحَقِّ) وهو الاسلام ، «ليظهره» ليعليه وينصره ، (عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) على سائر الأديان كلها (وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) فإن قيل : ظاهر قوله (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) يقتضي كونه غالبا لجميع الأديان ، وليس الأمر كذلك ، فإن الإسلام لم يصر غالبا لسائر الأديان في أرض الهند والصين وسائر أراضي الكفرة.
فالجواب من وجوه :
أحدها : قال ابن عباس «الهاء في «ليظهره» عائدة إلى الرسول صلىاللهعليهوسلم أي : ليعلمه شرائع الدّين كلها ، فيظهره عليها حتى لا يخفى عليه منها شيء» (٤).
وثانيها : قال أبو هريرة والضحاك : هذا وعد من الله تعالى بأنه يجعل الإسلام عاليا على جميع الأديان وتمام هذا يحصل عند خروج عيسى عليه الصّلاة والسّلام.
وروى أبو هريرة عن النبي صلىاللهعليهوسلم في نزول عيسى قال : «ويهلك في زمانه الملل كلّها إلّا الإسلام» (٥).
وروى المقداد قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «لا يبقى على ظهر الأرض بيت مدر ولا وبر إلّا أدخله الله كلمة الإسلام ، بعزّ عزيز ، أو بذلّ ذليل ، إمّا أن يعزّهم الله فيجعلهم من أهله فيعزّوا به ، وإمّا أن يذلّهم فيدينون له» (٦).
__________________
(١) أخرجه البخاري (٧ / ٤٦١) كتاب المغازي : باب غزوة الخندق وهي الأحزاب حديث (٤١٠٦) من حديث البراء.
(٢) ينظر : معاني القرآن للزجاج ٢ / ٤٩٢.
(٣) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ٢ / ١٤.
(٤) انظر المصدر السابق.
(٥) أخرجه الإمام أحمد في «مسنده» (٢ / ٤٣٧).
(٦) أخرجه أحمد (٦ / ٤) والحاكم (٤ / ٤٣٠) والبيهقي (٩ / ١٨١) والبخاري في «التاريخ الكبير» (٢ / ١٥١) ـ