«رجس نجس» ، فإذا أفرد قيل «نجس» بفتح النون وكسر الجيم» وقرأ (١) ابن السّميفع «أنجاس» بالجمع ، وهي تحتمل أن تكون جمع قراءة الجمهور ، أو جمع قراءة أبي حيوة ، وأراد به نجاسة الحكم ، لا نجاسة العين ، سمّوا نجسا على الذّم.
وقال ابن عبّاس وقتادة «سماهم نجسا ؛ لأنّهم يجنبون ، فلا يغتسلون ، ويحدثون فلا يتوضؤون» (٢) ونقل الزمخشري عن ابن عباس «أنّ أعيانهم نجسة كالكلاب والخنازير» وعن الحسن «من صافح مشركا توضّأ» (٣) وهذا قول الهادي من أئمة الزّيدية.
وأمّا الفقهاء : فقد اتفقوا على طهارة أبدانهم ، وهذا خلاف ظاهر القرآن ، فلا يرجع عنه إلا بدليل منفصل ، ولا يمكن ادعاء الإجماع فيه لما بينا من الخلاف.
واحتج القاضي على طهارتهم بما روي أن النبي صلىاللهعليهوسلم شرب من أوانيهم ، وأيضا لو كان نجسا ، لما تبدل ذلك بالإسلام ، وأجاب القائلون بالنجاسة : بأنّ القرآن أقوى من خبر الواحد وبتقدير صحّة الخبر ؛ يجب أن يعتقد أن حل الشرب من إنائهم كان متقدما على نزول هذه الآية من وجهين :
الأول : أنّ هذه السّورة من آخر ما نزل من القرآن ، وأيضا كانت المخالطة مع الكفّار جائزة فحرّمها الله تعالى ، وكانت المعاهدة حاصلة معهم ، فأزالها الله ؛ فلا يبعد أن يقال أيضا : الشرب من أوانيهم ، كان جائزا فحرمه الله.
الثاني : أنّ الأصل حل الشرب من أي إناء كان ، فلو قلنا إنه حرم بحكم الآية ، ثم حل بحكم الخبر ، فقد حصل نسخان ، أما لو قلنا إنّه كان حلالا بحكم الأصل ، والرسول شرب من آنيتهم بحكم الأصل ، ثم جاء التّحريم بهذه الآية ، لم يحصل النّسخ إلّا مرة واحدة ؛ فوجب أن يكون هذا أولى.
وأما قولهم : لو كان الكافر نجس العين ، لما تبدّلت النجاسة بالطّهارة بسبب الإسلام. فهذا قياس في معارضة النّص الصّريح ، وأيضا فالخمرة نجسة العين ، فإذا انقلبت بنفسها خلّا طهرت ، وأيضا إنّ الكافر إذا أسلم ؛ وجب عليه الاغتسال ، إزالة للنجاسة الحاصلة بحكم الكفر ، وهذا ضعيف ؛ فإنّ الأعيان النجسة لا تقبل التّطهير بالغسل ، إنما يطهر بالغسل ما ينجس.
فصل
قالت الحنفيّة : أعضاء المحدث نجسة نجاسة حكمية (٤) ، وبنوا عليه أنّ الماء المستعمل
__________________
(١) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٢٩ ، الدر المصون ٣ / ٤٥٨.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٣٤٥) وذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٢٨١) عن قتادة.
(٣) أخرجه الطبري (٦ / ٣٤٥) عن الحسن.
(٤) وضابط النجاسة الحكمية : ألّا يكون لها جرم ولا طعم ولا لون ولا ريح ينظر : الباجوري على شرح ابن القاسم ١ / ١٠٦.