الكلام حلو المنظر ، يلقى رسول الله صلىاللهعليهوسلم بما يحبّ ، وينطوي له بقلبه على ما يكره (١).
فقوله : (يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ) أي يخفون ما في صدورهم من الشّحناء والعداوة.
قال عبد الله بن شداد : نزلت في بعض المنافقين ، كان إذا مرّ بالنبي صلىاللهعليهوسلم ثنى صدره وظهره ، وطأطأ رأسه ، وغطّى وجهه ، كي لا يراه النبي ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ.
قال قتادة (٢) : كانوا يخفون صدورهم ، لكيلا يسمعوا كلام الله ولا ذكره (٣).
وقيل : كان الرّجل من الكفّار يدخل بيته ، ويرخي ستره ، ويحني ظهره ، ويتغشّى بثوبه ، ويقول : هل يعلم الله ما في قلبي.
وقال السّدي : (يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ) أي : يعرضون بقلوبهم ، من قولهم : ثنيت عناني ليستخفوا منه أي : من رسول الله ـ صلوات الله وسلامه عليه (٤) ـ.
وقال مجاهد : من الله عزوجل.
(أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ) يغطون رؤوسهم بثيابهم (٥) و «ألا» كلمة تنبيه أي : ألا إنهم يستخفون حين يستغشون ثيابهم. ثم ذكر أنّه لا فائدة لهم في استخفائهم فقال سبحانه : (يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ).
قال الأزهري معنى الآية من أولها إلى آخرها : إنّ الذين اضمروا عداوة رسول الله صلىاللهعليهوسلم لا يخفى علينا حالهم.
وروى محمد بن جرير عن محمد بن عباد بن جعفر ـ رضي الله عنه ـ ؛ أنه سمع ابن عباس يقرأ (أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ) قال : كان أناس يستحيون أن يخلوا فينفضوا إلى السّماء ، وأن يجامعوا نساءهم ، فيفضوا إلى السّماء ؛ فنزل ذلك فيهم (٦).
لمّا ذكر أنه : (يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ) أردفه بما يدلّ على أنّه تعالى عالم بجميع المعلومات وهو أنّ رزق كلّ حيوان إنّما يصل إليه من الله تعالى ؛ لأنّه لو لم يكن عالما بجميع المعلومات لما حصلت هذه المهمّات.
__________________
(١) ذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٣٧٣).
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٦٢٤) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٥٧٩) وزاد نسبته إلى سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٦٢٥ ـ ٦٢٦) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٥٨٠) وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ عن قتادة.
وذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٣٧٣).
(٤) ذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٣٧٣).
(٥) انظر المصدر السابق.
(٦) أخرجه البخاري (٨ / ٢٠٠) كتاب التفسير : باب ألا إنهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه ..... حديث (٤٦٨١) والطبري (٦ / ٦٢٦) من طريق ابن جريج عن محمد بن عباد بن جعفر عن ابن عباس.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٥٧٩) وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ وابن مردويه.