مرفوعة في البساتين ، والأنهار تجري من بين أيديهم ، كقوله : (قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا) [مريم : ٢٤] ، وهي ما كانت قاعدة عليه بل المعنى : بين يديك ، وكذا قوله : (وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي) [الزخرف : ٥١] أي : بين يدي ، وقيل : (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ) أي : بأمرهم.
قوله : (فِي جَنَّاتِ) يجوز أن يتعلّق ب «تجري» ، وأن يكون حالا من «الأنهار» ، وأن يكون خبرا بعد خبر ل «إنّ» ، وأن يكون متعلّقا ب «يهدي».
قوله : «دعواهم» مبتدأ ، و «سبحانك» معمول لفعل مقدّر لا يجوز إظهاره هو الخبر ، والخبر هنا هو نفس المبتدأ ، والمعنى : أن دعاؤهم هذا اللفظ ، ف «دعوى» يجوز أن يكون بمعنى الدعاء ، ويدلّ عليه «اللهمّ» ؛ لأنّه نداء في معنى يا الله ، يقال : «دعا يدعو دعاء ودعوى» ، كما يقال : «شكى يشكو شكاية وشكوى» ، ويجوز أن يكون الدّعاء هنا بمعنى العبادة ، نظيره قوله تعالى : (وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) [مريم : ٤٨] أي : وما تعبدون ، ف «دعوى» : مصدر مضاف للفاعل ، ثم إن شئت أن تجعل هذا من باب الإسناد اللفظي ، أي : دعاؤهم في الجنّة هذا اللفظ بعينه ، فيكون نفس «سبحانك» هو الخبر ، وجاء به محكيّا على نصبه بذلك الفعل ، وإن شئت جعلته من باب الإسناد المعنوي ؛ فلا يلزم أن يقولوا هذا اللفظ فقط ، بل يقولونه وما يؤدّي معناه من جميع صفات التنزيه والتّقديس ، وقد تقدّم نظير هذا عند قوله تعالى : (وَقُولُوا حِطَّةٌ) [البقرة : ٥٨].
وقيل : المراد من الدّعوى : نفس الدّعوى التي تكون للخصم على خصمه.
والمعنى : أنّ أهل الجنّة يدعون في الدّنيا وفي الآخرة تنزيه الله عن كل المعايب ، والإقرار له بالإلهيّة.
قال القفال : وأصل ذلك من الدّعاء ، لأن الخصم يدعو خصمه إلى من يحكم بينهما.
قال أبو مسلم : «دعواهم» أي : فعلهم وإقرارهم ، ونداؤهم هو قولهم (سُبْحانَكَ اللهُمَّ) قال القاضي : «دعواهم» أي : طريقتهم في تمجيد الله وتقديسه وشأنهم وسنّتهم ؛ لأنّ قوله (سُبْحانَكَ اللهُمَّ) ليس بدعاء ولا بدعوى ، إلّا أنّ المدّعي للشيء يكون مواظبا على ذكره ، لا جرم جعل لفظ «الدّعوى» كناية عن تلك المواظبة والملازمة. فأهل الجنّة لمّا كانوا مواظبين على هذا الذكر ، أطلق لفظ «الدّعوى» عليهم ، وقال القفال : قيل في قوله : (وَلَهُمْ ما يَدَّعُونَ) [يس : ٥٧] أي : ما يتمنونه ، والعرب تقول : ادع ما شئت عليّ أي : تمنّ ما شئت.
وقال ابن جريح : أخبرت أن قوله (دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللهُمَ) : هو أنّه إذا مرّ بهم طير يشتهونه ، قالوا : سبحانك اللهمّ ، فيأتيهم الملك بذلك المشتهى. قال ابن الخطيب : «وفيه وجه آخر : وهو أن يكون المعنى : أنّ تمنيهم في الجنّة أن يسبحوا الله ـ تعالى ـ ،