التّمرة إلّا النواة ، وكان معهم شيء من شعير مسوّس ، فكان أحدهم إذا وضع اللّقمة في فيه أخذ أنفه من نتن اللّقمة. وأمّا عسرة الماء ، فقال عمر : خرجنا في قيظ شديد ، وأصابنا فيه عطش شديد ؛ حتّى إنّ الرجل لينحر بعيره فيعصر فرثه ، ويشربه (١).
وهذه تسمى غزوة العسرة (٢) ، ومن خرج فيها فهو جيش العسرة ، وجهزهم عثمان وغيره من الصّحابة ـ رضي الله عنهم ـ.
والثاني : قال أبو مسلم «يجوز أن يكون المراد بساعة العسرة جميع الأحوال ، والأوقات الشديدة على الرّسول ، وعلى المؤمنين ؛ فيدخل فيه غزوة الخندق وغيرها. وقد ذكر الله تعالى بعضها في القرآن ، كقوله : (وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ) [الأحزاب : ١٠] وقوله : (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ) [آل عمران : ١٥٢] الآية ، والمقصود منه وصف المهاجرين ، والأنصار بأنّهم اتّبعوا الرّسول ـ عليه الصلاة والسّلام ـ في الأوقات الشديدة والأحوال الصعبة ، وذلك يفيد نهاية المدح والتعظيم».
قوله : (مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ) قرأ حمزة وحفص (٣) عن عاصم «يزيغ» بالياء
__________________
(١) المصدر السابق.
(٢) غزوة تبوك : في شهر رجب من السنة التاسعة للهجرة ـ لما رجع رسول الله صلىاللهعليهوسلم من حصار الطائف إلى المدينة بلغه أن هرقل ملك الروم ومن عنده من متنصرة العرب قد حشدوا له جمعا كثيرا يريدون غزوه في عقر داره فأراد أن يلاقيهم على حدود بلادهم قبل أن يغشوه على غرة فسار بجيشه حتى وصل تبوك. وكانت الروم قد بلغها أمر هذا الجيش وقوته فآثرت الانسحاب بجيشها لتتحصن في داخل بلاد الشام فرأى النبي عليه الصلاة والسّلام أن من الحكمة ألا يتبعهم داخل بلادهم فلم يتبعهم وهناك جاءه يوحنا بن رؤبة فصالحه على الجزية كما صالحه أهل جرباء وأهل أذرح من بلاد الشام ـ وأرسل رسول الله خالد بن الوليد إلى أكيدر بن عبد الملك صاحب دومة الجندل فأتى به خالد أسيرا بعد أن قتل أخاه فحقن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم دمه ، وصالحه على الجزية وأخلى سبيله وأقام بضع عشرة ليلة لم يقدم عليه الروم ، ولا العرب المتنصرة فعاد إلى المدينة ولما بلغ ملك الروم ما فعله يوحنا أمر بقتله ، وصلبه عند قريته. لم يكن من المعقول بعد ذلك أن يتهاون المسلمون فيما أصابهم من قتل رسولهم وأبطالهم ومعاهدهم الذي أمنوه على نفسه وماله بأخذ الجزية ، وإعطاء العهد كما أنه لم يكن معقولا أن الروم بعد أن رأوا حضور المسلمين للقصاص يكفون عن مناجزتهم والإيقاع بهم أينما وجدوا لذلك سبيلا.
لهذا عاد النبي صلىاللهعليهوسلم في آخر حياته إلى تجهيز جيش آخر تحت إمرة أسامة بن زيد. ولكن لم يكد يتم أمره حتى قبض الرسول صلوات الله عليه وانتقل إلى الرفيق الأعلى ، وتولى أمر المسلمين بعده صاحبه أبو بكر فارتأى رضي الله عنه أن الحزم في إنفاذ هذا الجيش حتى لا يطمع في الإسلام أعداؤه ويتألب عليه خصومه ، وتوالت بعد ذلك حروب الروم حتى فتح المسلمون بلادهم في عهد أبي بكر ، وعمر رضي الله عنهما بعد نضال عنيف ، وحروب كثيرة.
(٣) ينظر : السبعة ص (٣١٩) ، الحجة ٤ / ٢٣٤ ، حجة القراءات ص (٣٢٥) ، إعراب القراءات ١ / ٢٥٧ ، إتحاف ٢ / ١٠٠.