والسلمي بالخطاب ، التفاتا للمؤمنين دون المنافقين والسّر : ما ينطوي عليه صدورهم والنّجوى : ما يفاوض فيه بعضهم بعضا فيما بينهم ، مأخوذ من «النّجو» وهو الكلام الخفي كأنّ المتناجيين منعا إدخال غيرهما معهما ، ونظيره قوله تعالى : (وَقَرَّبْناهُ نَجِيًّا) [مريم : ٥٤] وقوله تعالى : (فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا) [يوسف : ٨٠] وقوله : (فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَناجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوى) [المجادلة : ٩] ، والمعنى : أنّ الله تعالى يعلم سرهم ونجواهم فكيف يتجرّءون على النفاق الذي الأصل فيه الاستسرار والتّناجي فيما بينهم ، مع علمهم بأنّه تعالى يعلم ذلك من حالهم ، كما يعلم الظّاهر ، وأنّه يعاقب عليه كما يعاقب على الظّاهر.
قال : (وَأَنَّ اللهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) والعلّام : مبالغة في العالم ، والغيب : ما كان غائبا عن الخلق.
قوله تعالى : (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ) الآية.
في (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ) أوجه :
أحدها : أنه مرفوع على إضمار مبتدأ ، أي : هم الذين.
الثاني : أنّه في محل رفع بالابتداء ، و (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) حال من «المطّوّعين».
و (فِي الصَّدَقاتِ) متعلق ب «يلمزون» ، (وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ) نسق على «المطّوّعين» أي : يعيبون المياسير ، والفقراء. وقال مكيّ : (وَالَّذِينَ) خفض ، عطفا على «المؤمنين» ولا يحسن عطفه على «المطّوّعين» ؛ لأنه لم يتمّ اسما يعد ؛ لأنّ «فيسخرون» عطف على «يلمزون» هكذا ذكره النّحاس في الإعراب له ، وهو عندي وهم منه.
قال شهاب الدّين (١) : «والأمر فيه كما ذكر ، فإنّ «المطّوّعين» قد تمّ من غير احتياج لغيره».
وقوله : «فيسخرون» نسق على الصّلة ، وخبر المبتدأ : الجملة من قوله (سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ) هذا أظهر إعراب قيل هنا.
وقيل : (وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ) نسق على (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ) ، ذكره أبو البقاء وهذا لا يجوز ؛ لأنّه يلزم الإخبار عنهم بقوله : (سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ) ، وهذا لا يكون ، إلّا بأن كان (الَّذِينَ لا يَجِدُونَ) منافقين ، وأمّا إذا كانوا مؤمنين ، كيف يسخر الله منهم؟. وقيل : (وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ) نسق على «المؤمنين» ، قاله أبو البقاء.
قال أبو حيّان (٢) : «وهو بعيد جدّا». ووجه بعده : أنّه يفهم أنّ (الَّذِينَ لا يَجِدُونَ) ليسوا مؤمنين ؛ لأن أصل العطف الدلالة على المغايرة ، فكأنّه قيل : يلمزون المطّوّعين من
__________________
(١) ينظر : الدر المصون ٣ / ٤٨٦.
(٢) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٧٧.