وقيل : الطّاغوت هو كلّ ما عبد من دون الله ، وكان راضيا بكونه معبودا ، فعلى هذا يكون الشّيطان والكهنة ، والسّحرة ، وفرعون والنمروذ كلّ واحد منهم طاغوتا ؛ لأنهم راضون بكونهم معبودين وتكون الملائكة ، وعزير ، وعيسى ليسوا بطواغيت ، لأنهم لم يرضوا بأن يكونوا معبودين.
قوله : (وَيُؤْمِنْ بِاللهِ) عطف على الشّرط وقوله (فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى) جواب الشّرط ، وفيه دليل على أنّه لا بدّ للكافر من أن يتوب أوّلا عن الكفر ، ثم يؤمن بعد ذلك.
وفيه دليل على أنّ درء المفاسد مقدّم على جلب المصالح (١) ؛ لأنّه قدّم الكفر بالطّاغوت [على الإيمان بالله اهتماما به فإن قيل الإيمان بالله مستلزم للكفر بالطّاغوت.
قلنا : لا نسلم ، قد يكفر بالطّاغوت](٢) ولا يؤمن بالله واستمسك أي : استمسك واعتصم (بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى) أي العقد الوثيق المحكم في الدّين.
و «العروة» : موضع شدّ الأيدي ، وأصل المادّة يدلّ على التّعلّق ، ومنه : عروته : ألممت به متعلّقا ، واعتراه الهمّ : تعلّق به ، و «الوثقى» : فعلى للتفضيل تأنيث الأوثق ، كفضلى تأنيث الأفضل ، وجمعها على وثق نحو : كبرى وكبر ، فأمّا «وثق» بضمّتين فجمع وثيق. وهذا استعارة المحسوس للمعقول ؛ لأنّ من أراد إمساك هذا الدّين تعلّق بالدلائل وأوضحها الدّالة عليه ، ولما كانت دلائل الإسلام أقوى الدّلائل وأوضحها وصفها الله تبارك وتعالى بأنّها العروة الوثقى.
__________________
(١) القوانين العادلة : هي التي تقوم على رعاية حفظ المصالح ودرء المفاسد ، ولا يختلف علماء الإسلام في أنّ أحكام الشريعة قائمة على رعاية هذين الأصلين ، وإذا كانت المصالح والمفاسد قد تخفى في بعض ما يشرع على أنه عبادة ـ فإن الأحكام المشروعة لغير العبادات من آداب الاجتماع ، ونظم المعاملات ، والجنايات لا تقصر العقول السليمة عن إدراك أسرارها ، ومن الميسور تقريرها على وجه يظهر به فضل الشريعة السماوية على القوانين الوضعية.
يقرر الباحثون عن حكمة التشريع من علمائنا : أن المصالح أربعة أنواع : اللذات وأسبابها ، والأفراح وأسبابها ، وأن المفاسد أربعة أنواع : الآلام وأسبابها ، والغموم وأسبابها ، ويسمون اللذات ، والأفراح بالمصالح الحقيقية ، وأسبابها : المصالح المجازية ؛ كما يسمون الآلام والغموم المفاسد الحقيقية ، وأسبابها المفاسد المجازية ، ويذكرون أن المصالح المحضة كالمفاسد المحضة نادرة الوجود ، وأكثر الوقائع ما تجتمع فيه المصلحة والمفسدة ، فما كان مصلحة محضة ، فحكمه الإذن قطعا. وما كان مفسدة محضة فحكمه النهي بلا مراء ، فأما ما يكون مصلحة من ناحية ومفسدة من ناحية أخرى ، فالشارع الحكيم ينظر إلى الأرجح منهما ، ويفصل الحكم على قدر الأرجحية ، فما رجحت مصلحته على مفسدته ، أذن فيه على وجه الإباحة ، أو الندب ، أو الوجوب ، وما رجحت مفسدته على مصلحته ، نهي عنه على وجه الكراهة أو التحريم.
ينظر : رسائل الإصلاح ٣ / ٢٧ ، ٢٨.
(٢) سقط في ب.